الاثنين، 25 مارس 2013

النانوتكنولوجي


في الدراسة الجامعية ، كنت أقضي معظم الوقت في دراسة وتطبيق قوانين نيوتن ودورها في مختلف أنواع التكنولوجيا المتعلقة بالميكانيكا، إلا أن الصدام المعرفي الشديد تعرضت له وأن طالب ماجستير في أمريكا حينما إنتقلت من نيوتن والتكنولوجيا الى ميكانيكا الكم والنانوتكنولوجي .. كيف حصل هذا وما الفرق بينهما ؟ 

العلم والهندسة والتكنولوجيا:
ليس من السهل التفريق بين هذا الثلاثي الذي يغذي بعضه البعض الآخر، إلا أنه من الضروري التطرق لكل واحدٍ منهم على حده. فالعلم عبارة عن مشروع منهجي يهدف لبناء معرفة تم إختبار صحتها أو على الأقل توقعات مبنية على أسس عقلية مسببه حول مختلف الظواهر الكونية، يدخل في هذا التعريف جميع أنواع العلوم الطبيعية منها والإجتماعية. وأما الهندسة فهي تطبيق ذا هدف محدد يستخدم مختلف أنواع العلوم لأجل تصميم وبناء مختلف أنواع الأجهزة والأنظمة والتي تخرج على هيئة تقنية (تكنولوجيا). وأخيراً فإن التكنولوجيا "التقنية" ما هي إلا نتيجة ملموسه للعلم والهندسة والتي تظهر على صورة أجهزة أو أنظمة من شأنها تلبية رغبة محددة أو حل مشكلة معينة والتي بإثرها يتطور كل من العلم والهندسة.
مثال على هذا الثلاثي يتجلى في ما قدمه علم البصريات من خلال مساعدته للمهندسين لأجل تطور التلسكوبات والمناظير التي إستطاع بسببها كل من كوبرنيكوس وكبلر وجاليليوا ونيوتن إكتشاف قوانين الحركة والتجاذب الكوني ، وهذا العلم (قوانين نيوتن للحركة والتجاذب الكوني) ساعد في إحداث ثورة هندسية ساهمت بإطلاق الأقمار الصناعية التي أحدثت بإثرها ثورات أخرى. فهو ثلاثي لا ينفصل عن بعضه البعض. 

التكنولوجيا والنانوتكنولوجي:
إن التكنولوجيا مرتبطة إرتباط وثيق بمجال الهندسة والعلم المبنية عليها، فإذا ما تحدثنا عن نيوتن وقوانينه المبنية على الأطوال والسرعات التي يدركها بصر الإنسان فإننا نتحدث عن التكنولوجيا بمفهومها المتعارف عليها ، السيارات والطيارات وكل تقنية ذات أطوال وسرعات متوسطة. أما حينما نحاول الوصول الى فهم سلوك الأجسام الذرية (النواة والإلكترون والذرة عموماً) والتي لا يدرك حركتها ولا أطوالها بصر الإنسان فإننا نقف على أعتاب أبواب النانوتكنولوجي، وهنا لا محل لنيوتن ولا لقوانينه، هنا السيطرة شبة كامله لفيزياء ميكانيكا الكم.
إن كلمة "نانو" التي تأتي في مقدمة كلمة "النانوتكنولوجي" مشتقه من كلمة إغريقية تعني "القزم"، فنجد هذه الكلمة تأتي تباعاً إبتداءا من علم النانو الى هندسة النانو الى النانوتكنولوجي (تكنولوجيا النانو). والمعنى العلمي لهذه الكلمة يتعلق بالقياس، فما النانو إلا وحدة قياس ومثال على ذلك (متر واحد يحتوي على ألف مليون نانو متر). 

تخيل معي النانوتكنولوجي:
حينما نتكلم عن هذه الوحدة الصغيره فنحن نتكلم عن الأبعاد الأربعة. الأبعاد الثلاثة الأولى هي: الطول والعرض والإرتفاع بالإضافة للبعد الرابع: الزمن. أما بخصوص الأطوال الثلاثة فتخيل معي الفرق بين النانومتر والمتر العادي الذي نستطيع رؤيته وكأنه الفرق بين حجم هاتفك وبين حجم الكرة الأرضية التي تقبع عليها ، كيف يمكن لك وأنت تقف على سطح كوكب آخر أن تشاهد بعينك المجردة فنجان من القهوة بيد صديقك المسترخي ذات الصباح في حديقته وهو على كوكب الأرض، هل تخيلت كم هذه الوحدة صغيره جداً جداً. هذا ونحن لم نتحدث بعد عن البعد الرابع وهو الذي يشكل تحدياً كبيراً في علم النانو ألا وهو الزمن. إذا كان لديك إحساس بمدى صغر الثانية، فهل تستطيع تخيل صغر النانوثانية ، تخيلت فقط أن يتم تقسيم هذه الثانية الى ألف مليون جزء من الثانية، إن صغر هذا الجزء (ألا وهو النانوثانية) مقارنةً بالثانية هو أقرب الى صغر زمن دقيقة واحدة مقانةً بزمن ألفيّ عام !!! هل تخيلت كيف يكون هذا أقرب للجنون منه للحقيقه؟ لكن ومعا الأسف فإن الكثير من العمليات الميكانيكية والكهربائية في جسم الإنسان تتم في مدة لا تتجاوز هذا الجزء الإستثنائي الصغير. فإذا ما فكرت بالعقلية النانونية فإنه بمجرد أن ترمش عينك أخي الكريم فإن هناك الملايين والملايين من الأحداث المهمة تمت في جسمك وأنتهت منذ زمن بعيد جداً !!! 

قصتي مع النانوتكنولوجي:
بعد حصولي على بعثة دراسية ذهبت لدراسة الماجستير في الهندسة الميكانيكية وتم قبولي في جامعة تكساس – أوستن - أمريكا. حيث تخصصت لاحقاً في أحدى فروع الميكانيكا التطبيقية وهي النانوميكانيك. كان هذا التخصص يُعد بمثابة قفزة بعيدة جداً عن الوضع الذي كنت فيه. كانت حياتي الدراسية فب البكالريوس أقرب الى قوانين نيوتن البسيطة الجميله وتطبيقاتها السهله في الإدراك والفهم، إلا أنني وبعد البداية في بحث رسالة الماجستير في ميكانيكا الخلايا السرطانية في جسم الإنسان، لم تعد قوانين نيوتن قابل للتطبيق، وبدأ وكأني أتخبط في ميكانيكا الكم الغامضة والتي تحتوي على ملايين المعادلات الرياضية ذات المتغيرات المليونية، وإستبدلت معادلات نيوتن التي لا تتجاوز ربما عدد أصابع اليد بعدد ضخم جداً لا تدرك حساباته إلا حواسيب قليلة ذات السرعات الإستثنائية، تعلمت أنه في النانوتكنولوجي يقل بشكل حاد قدرتك على التوقع والإستشراف ويعتمد عقلك بشكل أكبر على نتائج الحواسيب (كمبيوترات) التي بعضها غير قابل للتفسير!! إن النانوتكنولوجي عالم غريب محبط إلا لمن فهم طبيعته الغريبة!! 

النهضة العلمية ... من أين وإلى أين؟
لا أريد ان أتحدث هنا عن النانوتكنولوجي وأبوابة ومجالاته والمعوقات التي لازالت تشكل مانعاً أساسياً في تطورة بالشكل المطلوب، ولا أريد التباكي على دورنا الغائب فيه ، فنحن بالكاد نسمع عنه بين الحينةِ والآخرى، في حين أن أول بدايات النانوتكنولوجي ترجع الى عام 1959 !! ، لكن إريد أن ألفت الإنتباه الى أن الحديث عن النهضة العلمية يجب أن يستوفي أبعادها الثلاثة (العلم-الهندسة-التكنولوجيا) والتركيز على أحدهم وإهمال الآخرين جعل غالبية المحاولات في الوطن العربي تبوء بالفشل الذريع. إن النهضة العلمية بحاجة الى حوار علمي يتكاتف فيه مختلف أهل الإختصاص ويتطلب مجهوداً على أرض الواقع تدعمه كافة مؤسسات المجتمع المدني، وأن الجهود الأحادية من البعض لن يكون لها أثر في ظل هيمنة النظام المؤسسي على العالم! 

أخوكم/ طلال عيد العتيبي

السبت، 9 مارس 2013

كتاب "فنجان من التخطيط" .. وشهادتي المجروحة !


لازلت أشتم عبق ذكريات الماضي الجميل يوم أن كنا نحتسي فنجاناً من القهوة على ضفاف مناقشة أفكار كتابه الذي نشره فيما بعد تحت إسم "فنجان من التخطيط" ومنذ ذلك الحين وأنا أمتنع عن كتابة مقال بحقه خوفاً من كلمة "شهادتك مجروحة" ، ولكن ليس بعد الآن !!

ماذا قالوا .. ؟!
"شربت اليوم (فنجاناً من التخطيط) من يد الصديق المهندس عبدالله عيد العتيبي .. بس كان حلاه زايد! كتاب فذٌ في بابه" هذا ما قاله د. سلمان العودة ، إختاره د. محمد العوضي من ضمن (كتب في الصميم) في برنامجه الأسبوعي بيني وبينك على قناة الراي بإعتباره من الكتب الأكثر قيمةً وتأثيراً، أفرد المؤرخ والأديب الكبير أ. مهنا حمد المهنا مقالاً في جريدة القبس بعنوان (نظرات في كتاب فنجان من التخطيط)، قائلاً في الكتاب ومؤلفه: " أتى من قرأ وفهم، فجعل فهمه لما قرأ وسيلة إلى مخالطة تلك الأفكار نبضات قلبه وسريان دمه في العروق فأضفى على ما قرأ روحه المفردة المستقلة القادرة على القبول والرد والموافقة والرفض فما سلم بما ورد عليه من كلمات منمقة، ولم يتقبل تلك الجمل المزوقة، فكان جوهره العقلي المستقل هو الحارس الأمين لمعتقداته وهو الجندي المخلص لنبذ الشوائب والعوالق .. هذا أقل ما يوصف به عبدالله عيد العتيبي"، وفي مقالٍ آخر كتب عنه موجة الفلسفة والأديب أ. باسل الزير: " وقد أفرغ عليه أبوعيد شآبيب عبقريته وبراعة أسلوبه".
كتب يثني عليه كل من د. عمار الحسيني - الاستاذ الاكاديمي بجامعة الكويت و رئيس المكتب الثقافي بسفارة الكويت في استراليا والمهندس طلال القحطاني رئيس جمعية المهندسين سابقاً ود. ساجد العبدلي طبيب و محاضر وكاتب في التنمية البشرية و الشاعر الكبير زيد بن غيام و أ. علي السند - إعلامي وباحث دكتوراة في الشريعة الاسلامية والمؤلف في التنمية البشرية أ. عبدالله العثمان  ود. عبداللطيف الصريخ - مستشار ومحاضر في التنمية البشرية وغيرهم كثيرون لا يسعني ذكر أسماءهم ، ولكن وبعد كل هذه الأسماء مختلفة التوجهات والمشارب والتخصصات .. ماذا عساني أن أقول ؟

 قلت .. بعدما قالوا !
مجيباً على السؤال الأصعب والذي قد يبدوا سهلاً "من أنا؟" يبدأ الكاتب رحلة إكتشاف الذات وهي أول وأهم محطة في رحلة التخطيط الشخصي، يمر بك بعد ذلك الى المكان الأكثر فوضويه عند البشر ألا وهي منظومة القيّم والمبادئ، إن الواقع المؤلم لبعض الناس وتجاربهم الحياتية القاسية التي تصطدم بهذه المنظومة غالباً ما تحدث خللاً من شأنه أن يكون مصدر إزعاج مدمن لهم وهي مداعةٌ لأن يكون الأنسان أسير ردود الأفعال حتى تنتهي حياته بلا ثمرة، ولكن الكتاب هنا يتناول هذا الأمر على نحو مذهل وسلس من شأنه أن يجعل حياتنا أكثر إتزاناً وإنتاجيه. إن اللحظة التي تكتمل معرفتك بحقيقة نفسك ومنظومة قيّمك ومبادئك هي ذاتها اللحظة التي ستكون عندها أكثر قدرةً على إستيعاب مسارات حياتك، فتارة تعيش بقلب أب حنون حينما تداعب أطفالك، وتارة ذلك الإبن البار الذي يقبل قدميّ أمه وأبيه ، أوعندما تكون في حضرة زوجتك تصبح ذلك العاشق المغرم الذي لا تنفك عيناه وقلبه من مداعبة عيناها وقلبها، أو أن تكون ذلك الرجل العملي الجاد حينما يتعلق الموضوع بعملك، إن إستيعاب ضرورة أن تكون ناجحاً في كل هذه الأدوار في حياتك ستجعلك وبشكل تلقائي تتقدم خطوة مهمة في مشوار حياتك من خلال تحديد رؤيتك ورسالتك في الحياة، إن هذا الأمر أشبه بالبوصلة التي تحدد الإتجاه الصحيح نحو تحقيق طموحاتك.
بعد كل ما سبق من خطوات فنحن لا زلنا نعد العدة للإنطلاق نحو الوجهة، في حين أن بين نهاية وجهتك التي حددتها وبين وضعك الحالي مسافة طويلة تحتاج الى تخطيط ، وكلما كنت أكثر فعالية في التخطيط كانت رحلتك أكثر متعة وأمناً. لكن هب أنك خططت رحلتك هذه على نحو دقيق ومحكم وإنطلقت فإن الواقع حينها سيفرض قوته كعادته إذ ليس في وسعك حينها الا السعي والصبر والمواصله و إعادة التخطيط لأجل الإترقاء بخطتك والإلتفاف حول تلك المعوقات التي ستضل تخرج لك على الدوام من كل حدبٍ وصوب.
كانت هذه نبذه بسيطة عن قصة التخطيط الشخصي يرويها بشكل فذ أخي الوالد م. عبدالله عيد العتيبي وهي نتاج إطلاعة الواسع على أمهات الكتب في التخطيط وتنمية الذات والذي جعلها تحت محك الممارسة من خلال خبرته الطويله كرئيس لفريق التخطيط بشركة نفط الكويت. خرج هذا الكتاب حاملاً معه تجارب فريدة مُطعم بقصص الناجحين وحكمة الخالدين.

 سر عنوان الكتاب !
إن كان فنجاناً من القهوة كفيلاً بصحصحت مزاج شاربها، فإن فنجاناً من التخطيط سيصحصح حياة قارئها ويجعلها أكثر فاعلية، تلك الفكرة من تلك ، فهنيئاً لمن إحتساً فنجاناً من التخطيط ... أو كما قال الشيخ د. سلمان العودة !

 

أخوكم/ طلال عيد العتيبي