الأربعاء، 22 يناير 2014

الرد العلمي .. على خرافة "قانون الجذب" والذبذبات والطاقة !


بعد الاطلاع على بعض كتب ومحاضرات المتخصصين فيما يسمى بـ"قانون الجذب" ، وبعدما تكرر منهم كثرة الحديث عن مفاهيم فيزيائية بتفسيرات مغلوطة ، ويدّعون أنها الأساس العلمي له ، وجب علينا من باب الإختصاص أن نبين الأساس العلمي الباطل الذي يستندون عليه ، ولست أتحدث ها من وجهة نظر دينية ، بل من وجهة نظر علمية بحته حول جميع المغالطات التي تكتنف قانونهم المزعوم. إن البحث عن الحقيقة لا يعني أن بحث عن إجابات مقنعة فقط لما نتسائل عنه بل أن تكون هذه الإجابات الصحيحة . وهذا الأمر لا يتم الا وفق منهجية علمية وفكرية متزنة معتمدة في الأوساط العلمية.

وأختصر المحاور التي يتضمنها هذا المقال في ثلاثة محاور كما يلي:
1.      علمياً ما يسمى بـ"قانون الجذب" ليس قانوناً.
2.      بطلان الأساس العلمي لما يسمى بـ"قانون الجذب" .
3.      بيان حقيقة أساس ما يسمى بـ"قانون الجذب" . 

المحور الأول: علمياً ما يسمى بـ"قانون الجذب" ليس قانوناً.
قبل البحث في مدى صحة ما يسمى بـ"قانون الجذب" يجب أن نفهم أولا ما هي منهجية البحث العلمي وما هو الفرق بين كل من الفرضية والنظرية والقانون من وجهة نظر علمية ، لأن فهم هذه المقدمات سيساعد بشكل كبير في إدراك الأسباب التي نؤسس عليها بطلان ما يسمى بـ"قانون الجذب" علميا وأنه لا يمكن أن يكون قانوناً بالمفهوم العلمي.
أولاً: الفرضية والنظرية والقانون والمنهج العلمي:
وبالرغم من تنوع التعاريف في الأوساط العلمية إلا أنها جميعها تتحدث عن المعانى ذاتها . فالفرضية (Hypothesis) هي مقترح يشرح ظاهرة معينة مبني على تصورات معينة ، وحتى تكون الفرضية مقبولة علميا يجب أن تكون ضمن نظرية مثبتة علميا وتجريبيا ، أما النظرية (Theory) فهي مجموعة فرضيات تشرح ظاهرة معينة تم تأكيد صحتها عبر المشاهدات (Observations) والتجارب (Experiments) المؤكد صحتها دون وجود تجربة واحده تدحضها. وكذلك القانون (Law) فهو القواعد النظرية التي تصف كيفية حدوث أمر ما اعتمادا على صحة التجارب المختبرية دون وجود تجربة واحدة خاطئة. لتوضيح ذلك: قفانون الجذب العام لنيوتن يشرح بمعادلة رياضية (Mathematical Equation) كيف تنجذب الكتل الضخمة لبعضها البعض والتي أثبتتها التجارب دون الخوض في ماهية وجوهر هذا الجذب.
إن بناء النظرية على فرضيات مقبولة علميا أو بناء قانون فيزيائي مقبول في الأوساط العلمية يجب أن يتم وفق منهجية علمية منضبطة والتي تعتمد على نوع العلم . فالمنهجية (Methodology) ليست حل مشكلة ما، بل هي مجموعة أدوات معرفية (منطق وتقنيات) في طريقة البناء والاستنباط والإثبات والنفي، والتي تساعد في الوصول للحل أو صياغة قانون أو بناء نظرية. فكل نظرية وقانون تم بناؤهما وفق منهجية مقبولة في الأوساط العلمية واي خلل قد يشوب المنهجية يرجع سلباً على صحة النظرية أو القانون.
قدم العالم كارل بوبر (Karl Popper) مفهوما يضع حداً فاصلا بين الحقائق العلمية وبين الخزعبلات ألا وهو (Falsifiability) والذي يعني "قابلية القانون أو النظرية لإمكانية إثبات خطئه/ـا"، حيث يقول كارل بوبر في ما معناه: (إن صحة النظرية ليست في كثرة الشواهد والتجارب المعملية التي تثبت صحتها فقط إنما أيضا في قابلية النظرية للإختبار "Testability" بطريقة تنقضها) ، إذا وجدت الطريقة التي تحمل إمكانية نقض النظرية لكن فشلت هذه الطريقة في النقض ، فإن هذا الأمر يعطي دعما أكبر لصلابة وقوة النظرية أو القانون ، وأي نظرية لا تمتلك إمكانية النقض (أي لا يمكن إختبار خطئها من صحتها) فإنها مجرد خزعبلات أو في أحسن أحوالها فرضيات وظنون لا يعتد به علميا . لكن يستدرك كارل في النهاية فيقول أن الأمور الدينية لا يمكن أن يتم تطبيق هذا المفهوم عليها ، بمعنى أن الآراء أو الأفكار التي لا تخضع للمفهوم الذي يقدمه فهي إما خزعبلات (أو فرضيات لا سند يثبتها) أو عقائد دينية.
لتوضيح هذا المفهوم (Falsifiability) بأمثلة: تحدث أينشتاين عن إنحناء الضوء في الفضاء عندما يمر بالقرب من الكتل الضخمة ، فإذا حاولنا تخطئة قوله (إختبار) فإننا سنحاول أن نرصد ضوءا يأتي من نجم بمكان محدد في الفضاء خلال الكسوف وقبله بفترة زمنية ونقارن بين النتائج، فإذا إختلفت عرفنا أن الضوء انحنى بالقرب من الكتلة الضخمة ، وإذا لم تتغير النتائج عرفنا بطلان كلام أينشتاين . لكن التجربة أثبتت صحة كلامه،  بمعنى أن أينشتاين قدم ما يمكن اختباره وتجاوز الاختبار بنجاح لذا فهي حقيقة علمية.  ولكن في موضع آخر يقول أينشتاين بأن سبب التجاذب بين الكتل الضخمة هو تشوهات وإنبعاجات في نسيج الكون الزمكان (الزمن-مكان)، وعندما نحاول أن نفكر بطريقه أو تجربة نثبت خطأ هذا الكلام أو إختبار مدى صحته ، فإننا سنتسائل أين هذا النسيج وكيف نراه وكيف نعرف أنه مشوه أو ممبعج ؟ لا يوجد طريقة لاختبار صحة هذا الكلام حتى الآن ، لذا فكلام أينشتاين إن لم يكن مجرد تخيلات علمية أو خزعبلات فهو في أفضل أحواله فرضية لا تزال تنتظر الإختبار ولا يحتج بها.
نفهم مما تقدم أن المنهج العلمي يقوم أساسه على الإفتراضات المقبوله عقلا والتي تدعمها شواهد كثيرة ونتائج التجارب المؤكد صحتها بالإضافة الى قابليتها للنقض (الإختبار). كما من المتعارف علية في الأوساط العلمية إن كل نظرية لها حدود في التطبيق وليست مطلقه ، بل يرى العلماء أنه كلما كانت النظرية تنطبق وفق شروط محدده تكون أقوى وأفضل . إن نظرية "فيزياء الكم" لم تنسف قوانين الحركة الثلاثة وقانون التجاذب الكوني لنيوتن كما يعتقد البعض ، بل جعلتنا نعرف حدود تطبيق نظريات نيوتن والتي تفسر السلوك المادي في حدود مقاييس العين المجرده ، في حين أن فيزياء الكم تفسر السلوك المادي على المستوى الذري. لذا فإن لكل نظرية حدودها في التطبيق وهذا يعطي النظرية قوه وصلابه.
ثانيا: عدم استيفاء ما يسمى بـ"قانون الجذب" شروطه العلمية حتى يسمى قانوناً:
إن ما يسمى بـ"قانون الجذب" بصورته الحالية والذي يقول باختصار: (المتشابهات تجذب المتشابهات) وأنك إذا فكرت في شيء ما بتركيز فإن هذا الشيء سينجذب لك وستحصل عليه . وأن المهم هو أن تفكر في الشيء وتركز عليه وتسأله في داخلك وأنه عندما تكون ذبذباتك متوافقة مع ذبذبات هذا الأمر ، فإنك ستكون قادر على جذبه نحوك واستقباله. كأن نفكر في سيارة وعندما تكون ذبذباتنا متوافقة مع ذبذبات السيارة المطلوبة ، فإننا سنحصل عليها بكل تأكيد.
سبق وأن قلنا أن القانون هو القواعد النظرية التي تصف كيفية حدوث أمر ما اعتمادا على صحة تجارب مختبرية دون وجود تجربة واحدة خاطئة ، وهذا التعريف غير مكتمل الأركان في ما يسمى بـ"قانون الجذب" ، حيث أنه يستند فقط إلى حكايات وأدلة قولية (Anecdotal Evidences) ، وبالإضافة لعدم إمكانية إثباته ولا نقضه تجريبيا ، فنحن ايضا لا نعرف حدود تطبيقه ، ليس هذا فقط انما إدعاءاتهم وتفسيراتهم الفيزيائية مغلوطة (سيتم بيان ذلك تفصيلا في المحور الثاني) ، كل هذه الإشكالات تجعل من غير المقبول علميا يأخذ شكل "قانون" وهو إما أن يكون "فرضيه" التي لا يعتد بها في الحجج العلمية ولا يعمل بها في أي نطاق ، أو أنه مجرد خزعبلات أو عقائد دينية مستورده . 

المحور الثاني: بطلان الأساس العلمي لما يسمى بـ"قانون الجذب":
بعد الإطلاع على التفسيرات الفيزيائية التي وردة في كثير من أطروحات ما يسمى بـ"قانون الجذب" ولقاءاتهم التلفزيونية ، تبين لنا أن ما يسمى بـ"قانون الجذب" لا يستند الى أي حقيقة علميه معتمده ، بل شاب تفسراتهم العلمية الكثير من المغالطات خصوصا في مسألة الجذب والطاقة والذبذبات، والتي تنم عن سطحية في إدراك الأسس العلمية المتداوله في الأوساط العلمية:
إنقسمت مغالطاتهم في تفسيراتهم الفيزيائية على أربعة أوجه:
1.      الطاقة (Energy) :
ان أسهل تعريف للطاقة المثبتة علميا (وليس ما يزعمه المتخصصين في ما يسمى بـ"قانون الجذب"): هي المقدرة على القيام بشغل يحدث تغييرا، لا نعلم ماهيتها ولا جوهرها ولكن نرى أثرها في التحولات من شكل الى آخر (طاقه حركية ، طاقة وضع .. وهلم جرى).
                          I.      يقول أهل ما يسمى بقانون الجذب: "هناك الطاقة الموجبة والطاقة السالبة":
الرد:
 علميا الطاقة واحدة لا سالبة (-) ولا موجبة (+) ، إن استخدام الإشارات (سالب وموجب) هي للتمثيل الرياضي فقط ، كأن نقول الطاقة الخارجة من الجسم سالبة والداخلة اليه موجبة ، كما نستطيع أن نفرض العكس تماما وهو صحيح أيضا. لذا فتغيير الإشارات لا يغير في المدلول الفيزيائي شيء، فعلى سبيل المثال: بخصوص تغير الأشكال (Deformation) فإننا قد نفترض رياضيا (Mathematical) أن التمدد (Elongation) موجب والإنقباض (Contraction) سالب ، وهي مجرد فرضيات رياضية نستطيع عكسها دون أن نفسد المفهوم الفيزيائي لتغير الأشكال أو الطاقة.
                       II.      يقول أهل ما يسمى بقانون الجذب:" نستطيع قياس طاقة جسمك من جهاز معين":
الرد:
إن الطاقة لا تقاس كما تقاس الكتلة ، فعلى سبيل المثال: كتلتك وأنت على الكرة الأرضية هي نفسها كتلتك لو كنت على سطح القمر ، أي أن قياسها مطلق غير نسبي (absolute) ، ولكن الطاقة تقاس بقياس نسبي (Relative) لمرجعية معينة ، فالطاقة الحركية (Kinetic Energy) على سبيل المثال تعتمد على الكتلة والسرعة ، لكن أي سرعة نقصد ؟ أهي السرعة بالنسبة لسطح الأرض أم السرعة بالنسبة لمركزها أم السرعة بالنسبة لمركز الشمس، كل تنوع هذه المرجعيات يقودنا لنتائج مختلفة وجميعها صحيح في نفس الوقت . وحتى وإن حددنا المرجعية فإننا لانستطيع قياس الطاقة لجسم ما إلا فقط من خلال حسابات رياضية تقوم على قياسات مختبرية اخرى (كقياسنا للكتلة والسرعة في حال الطاقة الحركية) ، لذا لا يمكن من خلال جهاز معين قياس طاقة انسان وهو مجموع طاقات مختلفة (حركية ووضع وحرارية وغيره) معقدة في بعضها بدون مرجعية متفق عليها.
                     III.      يقول أهل ما يسمى بقانون الجذب: "أرفع مستوى طاقة جسمك هذا أفضل":
الرد:
من المعلوم بالضرورة في الفيزياء أن رفع مستوى الطاقة يبعد المادة عن وضع الإستقرار ، وأن المادة دوما تسعى للبقاء في أقل وضع طاقة "Low Energy State" وهو وضع الإستقرار. لذا فإرتفاع مستوى الطاقة اضطراب مؤقت وعدم إستقرار يجعل المادة تسعى للرجوع لوضع طاقة منخفض ، ومن يحاول أن يقول أن رفع مستوى الطاقة جيد دوما ، كمن يقول أن إرتفاع حرارة جسم الإنسان (طاقة حرارية) شيء جيد وهذا مخالف لأبجديات الطب. (أتمنى الرجوع لمقال سابق لي بعنوان "قوانين الشيخ نيوتن .. فلسفة ممتعة" ، للإستزاده).
                     IV.      يقول أهل ما يسمى بقانون الجذب: "طاقتك تجذب لك الأشياء":
الرد:
هذه مغالطة كبيرة لأن الطاقة ليس لها خاصية الجذب.
2.      الذبذبات (Frequencies) :
إن الذبذبات هي تكرار لحدث ما خلال وحدة زمن ، هي ترددات موجية تفسر ما لدى بعض الأجسام من مرونة. إن الذبذبات جزء من تكوين القوى او الطاقة وليست أمرا منفصلا قائما بذاته .
                    I.         يقول أهل ما يسمى بقانون الجذب: "إرفع مستوى ذبذباتك ترتفع طاقتك":
الرد:
ليس بالضرورة أن تنتج الترددات العالية طاقة عالية ، فبجانب التردد (Frequency) هناك مايسمى سعة التردد (Amplitude)، فمثلا: الكرة التي ترتطم بالأرض بحركة ترددية لها مقياسان: الأول كم مره ترتطم بالأرض في وحدة زمن محدد (Frequency) ، بالإضافة الى مقدار ارتفاع الارتطام (Amplitude) . قد تكون هناك ترددات منخفضة لكن طاقتها أعلى لان سعة التردد لديها عاليه.
                 II.         يقول أهل ما يسمى بقانون الجذب: "إذا توافقت ذبذبات شيء تريده مع ذبذباتك فهذا شيء جيد":
الرد:
ان كل مادة لها تردد طبيعي "Natural Frequency" بمعنى أن المادة حينما تهتز فإنها لا يمكن أن تهتز الا وفق ترددات محدده تعتمد على كتلة ومرونة الجسم ، نسميها الترددات الطبيعية (Natural Frequencies) . وان توافق التردد الخارجي للتردد الطبيعي للأجسام ينتج ما نسميه بـ(Resonance) وهذه ظاهره يميل فيها النظام للإهتزاز بسعة عالية جدا عند ترددات محددة ، وغالبا ما تقود الى كارثة . لا يشترط أن تكون الترددات المتوافقة عاليه ، بل يكفي أن تكون متوافقة ، بمعنى أن ترددات منخفضة متوافقة قد تقود لمثل هذه الظاهرة الضارة (بإستثناء إستخدامها في تطبيقات تكنولوجية محدودة جدا) ، لذا فإن جميع مصممي المباني والطائرات والجسور والآلات .. الخ ، يأخذون حين تصميمها ألا تكون هناك إمكانية لتوافق الذبذبات الخارجية مع الذبذبات الداخلية قدر المستطاع وحتى لا تحدث هذه الظاهرة الخطيرة التي تسببت في سقوط جسور ومباني وكوارث اخرى . حتى أن البعض فسر سبب حدوث "السكتة القلبية" أنه توافق ذبذبي بين تردد خارجي و تردد نبضات القلب.
               III.         يقول أهل ما يسمى بقانون الجذب: "ذبذباتك تجذب الأشياء":
الرد:
هذا ادعاء باطل علميا ، فليس للذبذبات خاصية الجذب ، كما أن الترددات ليست منعزله بذاتها عن أي شيء آخر إنما هي جزء من تكوين القوى الفيزيائية .
               IV.         يقول أهل ما يسمى بقانون الجذب: "إن الكون يتكون من ذرات والذرات تتكون من نواة وإلكترونات وأن أساس النواه جزيئيات أصغر وأصغر حتى نصل الى أنها مجرد ذبذبات، لذا فالكون كله ذبذبات وليس مادة" كنوع من دعم ما يسمى بقانون الجذب:
الرد:
أما القول بأن لا وجود للمادة وكل الوجود عبارة عن طاقة وترددات ، والذي شرحها أحد مختصي ما يسمى بقانون الجذب مستنداً ومن دون التسمية على نظرية مهمة وحديثة في عالم الفيزياء ألا وهي نظرية الأوتار الفائقة "Super String Theory". تحاول هذه النظرية التوفيق بين جميع النظريات الفيزيائية السابقة (القوى الأربعة: القوه الكهرومغناطيسية وقوة التجاذب الكوني والقوى النووية الضعيفة والقوية) في نظرية واحدة لبنية الكون ، حيث تطورت مؤخرا الى نسخ اخرى.
تقول هذه النظرية بإختصار: أن أساس الكون أوتار تهتز بترددات محددة بمقياس طول بلانك ( ~1.6×10−35 متر) وأن إهتزازاتها تحدد الطاقة والتي تحدد بأثرها كتلة كل جسيم ، وتقول ايضا أن هناك أوتار على شكل حلقات مغلقة و اخرى مفتوحة ، أما طول بلانك فلا يمكن أن نتخيل مدى صغره، إن العلم الحديث بتجاربه المعملية الآن وصل لما يقارب النانو متر (~-910 متر) أي أن نقسم المتر الواحد الى مليار وحدة صغيرة !! فما بالك بطول بلانك (نقسم المتر الواحد الى قرابة مليار مليار مليار مليار... وحدة صغيرة !!) ، إن هذه النظرية التي إستند إليها بعضهم لا تزال في طور البحث والتطوير ، فتقدمها فقط على المستوى المنطقي والرياضي دون وجود تجارب مختبرية تؤكد وجود هذه الأوتار ومدى صحة فرضياتهم. لذا لا يجوز الاستناد على أمر (بأن العالم كله أوتار تهتز) وهو لا يزال حبيس مختبرات العلم .
من جانب آخر قدم اينشتاين في معادلته الشهيرة (E=mc2) "الكتلة = m" و "سرعة الضوء = c"، والتي يؤكد على أن المادة ليست إلا صورة من صور الطاقة ، بمعنى أن الجسم الذي لا يتحرك يمتلك طاقة ساكنه (Rest Energy) يمكن حسابها من المعادلة السابقه. بينما لايزال الإعتقاد قائم بوجود الكتلة التي تتكون من ذرات وجسيمات دقيقة ، وهذه الذرات في حركة دائمة مستمرة بترددات معينة تتحول لطاقة كما يحدث في التفاعلات النووية.
على أي حال يبقى السؤال قائم: ما الربط بين صحة ما يسمى بقانون الجذب ومسألة أن الكون طاقة أوأنه أوتار تهتز ؟ إذا كان الجذب ليس من خصائص الطاقة ولا الذبذبات ؟، لماذا يقومون بإيهام الناس بالحديث عن حقائق فيزيائية ليست ذات صلة بما يدّعمون؟ إنهم أثاروا أمر ليس له علاقة بصحة ما يسمى بـ"قانون الجذب" لا من قريب ولا من بعيد.
                 V.         يقول أهل ما يسمى بقانون الجذب: "ذبذبات السعادة والثراء عالية والحزن والفقر منخفضة ولها قياس معين":
الرد:
انني أتسائل :هل السعادة مثلا والتي هي عبارة عن مشاعر معنوية "لا وجود مادي لها" لها ترددات معينة وكيف يمكن قياسها تجريبياً ؟! بإختصار ، لا يمكن أن يتداول أحد ما مثل هذا التخريف في أروقة العلم المحترمة !
3.      الجذب (Attraction):
نلخص أنواع الجاذبية فيزيائيا في إثنتين: الجاذبية الكونية "Newton's Law of Universal Gravitation" (الجاذبية التي تتسبب فيها الكتل الضخمة جدا كالأرض والشمس فيما بينها أو بين الأرض والكتل التي حولها) . أو إختلاف الشحنات موجبة وسالبة ، الذي نقصد به الكهرومغناطيسية (Electromagnetism).
                             I.      يقول أهل ما يسمى بقانون الجذب: "إن الإنسان يجذب الأشياء":
الرد:
أما جسم الإنسان فليس له كتلة ضخمة حتى يستطيع الجذب (إلا إنجذابه للأرض بفعل ضخامة كتلة الأرض) ، أما إذا أثبت أحدهم رياضيا أن هناك بين شخص وشخص آخر قوة جذب ضئيلة جدا (تكاد تنعدم) طبقا لمعادلة نيوتن الشهيره للجاذبية ، فنقول له أن الوسط المادي بين الشخصين (الهواء مثلا) لديه المقاومة التي تلغي أثر هذه القوة الضئيلة جدا. كما شحنة جسم الإنسان الكلية متعادلة (لا سالبة ولا موجبة) وليس له قدرة على جذب الأشياء ولا الإنجذاب لها حاله (من هذه الزاوية) كحالة مادة الخشب التي لا تتأثر بوجود مغناطيس ولا شحنات. لذا فلا الذبذبات لها خاصية الجذب ولا الطاقة كذلك ولا كتلة الإنسان تسمح بأن يكون له جاذبية وليس له شحنة كهربائية حتى يجذب، لذا فمقولة أن الإنسان يجذب الأشياء مغالطة كبيرة وسطحية في الفهم،  طبعاً نستثني "الإنسان المغناطيسي" في حال وجوده على كوكب الأرض !! أو وجود شخص رأسه بثقل الكرة الأرضية !! ، لأننا لا نعلم إن كانوا سيقولون مثل هذا الأمر مستقبلاً !!
4.      المراقب (Observer):
يتطرق مبدأ "عدم اليقين" (Uncertainty Principle) للعالم هايزنبرج الى أمر مهم، وبالرغم من صعوبة الدخول في فيزياء الكم ومبدأ عدم اليقين ، إلا أننا سنحاول أن نتطرق لها بشكل مبسط في السطور التالية:
تهتم فيزياء الكم (Quantum Physics) في دراسة الظواهر الفيزيائية التي تحدث على المستوى الذري وعن إزدواجية السلوك الجسيمي-الموجي للمادة والطاقة ، أما ومن خلال فيزياء الكم فإن مبدأ عدم اليقين ينص على أنه لا يمكن قياس كميتين ثنائيتين إلا ضمن دقة معينة (خواص كمومية على المستوى الذري) ، أي لا يمكن قياسهما بدقة 100% .
يشرح الفيزيائي هايزنبيرج هذا المبدأ فيقول: إذا أردنا أن نقيس موضع إلكترون وسرعته في آن واحد ، فإننا بمجرد ملاحظتنا له (من خلال تسليط ضوء الذي هو عبارة عن فوتونات تحمل طاقة كمومية) ، فإن قياسنا لموضعه حين تسليط الضوء عليه يكتسبه طاقة كفيلة بتغيير سرعته وإتجاهه. أي أن قياس دقة الموضع سيأثر على دقة قياس السرعة والعكس أيضا. الأمر الذي يجعل نتائج فيزياء الكم إحتمالية والتنبؤ دون الجزم بعرفة المستقبل. وخلاصة ما تقدم هو أن المراقب يؤثر بسبب مراقبته سلوك الأشياء (التي يراقبها).
                    I.            يقول أهل ما يسمى بقانون الجذب: ("أن الإنسان يؤثر في الكون ويجذب كل ما يريد"):
الرد:
لجهلهم قفزوا إلى التعميم فقالوا بكل جرأة ودون تحرّز ولا حتى استثناء: "أن الإنسان يؤثر في الكون كله" بينما ما فهمناه من مبدأ هايزنبرج أن التأثير على الأشياء سببه المراقبة المباشرة وليس الأمر مفتوح على مصراعيه، ونحن نسأل: هل حتى تلك الأشياء التي لا يراقبها الإنسان يؤثر فيها ؟! فمثلا على سبيل التوضيح: لو قلت لشخص أريد أن أراقبك لأعرف أخلاقك ، بلا شك أن مراقبتك له قد تؤثر به وتدفعه ليغير من أسلوبه ويبدو أفضل ، لكن السؤال المهم: ماذا عن الأشخاص الذين لا نراقبهم هل يغيرون من سلوكهم ؟ أنا لا أعلم كيف قادهم تفكيرهم وإستنتاجهم المعلول الى هذا الى القول "أن الإنسان يؤثر في كل الكون" هكذا بكل بساطة (حديثي هذا علمي بحت) !!
يتضح لنا مما سبق بطلان ما يسمى بـ"قانون الجذب"  للسببين التاليين:
1.       أن ما يسمى بقانون الجذب لم يستكمل أركان وشروط القانون علميا ، لذا فهو ليس بقانون ، إنما في أفضل أحواله فرضيات لا إثباتات تجريبية تدعمها ، أو خزعبلات لا أصل لها أو عقائد دينية مستوردة !
2.      أن جميع التفسيرات الفيزيائية الصحيحة لا تعمل في صالح ما يسمى بـ"قانون الجذب" بصورته الحالية كما أوردنا تفصيلها ، بل إن جميع تفسيراتهم تنم عن عدم إلمام بأساسيات الفيزياء المتعارف عليها. 

المحور الثالث: بيان حقيقة وأساس ما يسمى بـ"قانون الجذب":
قبل بيان حقيقة أساس ما يسمى بقانون الجذب ، لاحظت من خلال متابعتي لأطروحات أهل ما يسمى بـ" قانون الجذب" خلطهم الفيزياء (Physics) بالميتافيزيقيا أو ما وراء الطبيعة (Metaphysics) ، لذا نحن بحاجة أولاً الى معرفة الفرق بينهما ، إن الفيزياء علم يهتم بدراسة وتحليل الظواهر الطبيعية من خلال طرق منهجية وإنشاء قوانين وعلاقات رياضية تقوم على الاثبات التجريبي المؤكد صحته والمقبول في الأوساط العلمية. أما الميتافيزيقيا فهي تهتم بدراسة أصل الوجود وأسبابه التي يستعصي معه الإثبات التجريبي، أي أنه لا توجد إثباتات تجريبية تدعم صحتها ، وإنها اقرب ما تكون إلى التأملات والروحانيات.
وكما ان الفيزياء مهمة فإن الميتافيزيقيا أيضا مهمة ، ولكن وفق حدود واضحة ، إن الميتافيزيقيا نوع من انواع الفلسفة تبحث أصل الوجود وإدراك جواهر الأمور وهي أفكار قد تساعد في العصف الذهني ، إن أهميتها تكمن في أنها قد تقود مستقبلاً إلى إكتشافات مهمة، لكن قد يكثر في هذا المجال (الميتافيزيقيا) أفكار عوجاء وخزعبلات لا أصل لها.
وحتى نفهم ماهي طبيعة الميتافيزيقيا ، نضرب مثلاً: عندما نتسائل: هل الكون نهائي أم محدود وإذا كان محدود فما وراء تلك الحدود؟ إن هذه ليست فيزياء بل ميتافيزيقيا ، إن كل التفسيرات التي تتعلق بالكون والتي ليس لها إثبات تجريبي هي ميتافيزيقيا لا يعتد بها في الحوار العلمي ولا تقام عليها حجج ، كل جواب "فيزيائيّ الطابع" لا يستطيع صاحبه أن يرفق معه إثباتا تجريبيا ليس إلا ميتافيزيقيا لا يعتد به في الميزان العلمي الرصين ، إنما فرضية أو خزعبلات كما أوردنا سابقاً.
قد لاحظت ان كثيرا من أحاديث أهل ما يسمى بـ"قانون الجذب" اخذ طابعا ميتافيزيقيا وهم يعتقدون جهلا أنهم يتكلمون في مجال علم الفيزياء ، وهذا مؤشر على أن لديهم خلطا كبيرا بين الأمرين ، لذا نقول: إن معرفة أهمية وحدود نطاق الميتافيزيقيا يجعلنا في مأمن من الخزعبلات التي قد تقتحم عالم الفيزياء من بوابة الميتافيزيقيا.
إننا نؤكد أن الميتافيزيقيا لا تعدوا الا كونها بيئة حرة للتفكير وخطرة في نفس الوقت ، وليس صحيحاً أن نطير فرحا بما لدينا منها من أفكار غير مثبتة تجريبيا ونوهم الناس بأنها حقائق فيزيائية ! إنه لمن غير المقبول أن يخلط أحد بين الفيزياء "العلم المقنن" وبين الميتافيزيقيا المليئة بالآراء غير المقننة!
ختاماً:
يتضح لنا مما سبق عرضه من محاور أن ما يسمى بـ"قانون الجذب" لا يمت للفيزياء بصلة حتى هذه اللحظة ، وهو عبارة عن فرضيات لا تحمل قوة الإثبات التجريبي ، ولذا فمن الممكن أن ندرجه تحت الميتافيزيقيا حتى يتم إثباته تجريبيا ، أو أن نبحث عن حقيقة هذا العلم المزعوم وجذوره التي خرج منها.
وقد شد انتباهي أيضاً تحجج مروجي ما يسمى بـ"قانون الجذب" أمام كل من يطالب بتقديم إثبات تجريبي يدعم ما يزعمونه ، أن يطلبوا من السائل بالمقابل إثبات تجريبي على وجود الخالق (والعياذ بالله!!) أو إثبات وجود الملائكة والجن وغيره من الغيبيات تجريبياً ، وهذا إن دل فإنما يدل على خلل في منهجية التفكير وهو أن نقارن الاشياء التي ليست من ذات الجنس ، فالله جل في علاه الذي ليس كمثله شيء (أو الملائكة أو الجن أو صدق الأنبياء) والذي عرفناه بالوحي لا يُقارن طريقة اثبات وجوده بطريقة إثبات وجود ما يزعمه هؤلاء من قانون ليس له إثبات تجريبي واحد!
ولأنه كثرت مقارناتهم بالدين وتعاليمه والإيمان ، نقول: إن الدين الاسلامي أتى به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهل لأهل قانون الجذب نبي جديد يوحى إليه حتى نصدقهم ونطمئن لأقاويلهم دون أن نطالبهم بإثبات تجريبي (مجرد سؤال جدلي) ؟ وإذا لم يكن لهم نبي يوحى إليه نصدقه ، أوليس الأولى أن يكون كل ما يقدمونه تحت رحمة الاثباتات العلمية المنهجية ولا شيء آخر خلاف ذلك.
وقد يقول أحدهم: إن علمنا لا يمكن إثباته علميا أو تجريبيا ، فنقول: فقط الدين الذي لا يمكن إثباته معمليا ، فهل علمكم دين جديد ، وإذا كان كذلك فمن هو نبيكم المزعوم يا ترى ؟! وإذا كان ما يقدمه هؤلاء ليس علماً فيزيائيا تجريبياً ، فهل هو جزء من عقائد بوذية مستوردة مثلا تنتمي لعالم الروحيات ؟! واذا كانوا يقومون بحركات عشوائية تبدو فيزيائية ولا يستطيعوا إثباتها نظريا ولا تجريبيا ولا تقنينها في معادلات رياضية ، اوليس من الممكن أن يكون هذا شعوذة وسحر ، وأخذ لأموال الناس بالباطل ، ألا يستحق هؤلاء المطاردة القانونية؟!
لفت إنتباهي ما ورد في كتاب (أشهر خمسون خرافة في علم النفس) لأربع باحثين كبار: (المفاهيم العلمية المغلوطة لها أربع خصائص رئيسية هي: 1) أفكار ثابتة وراسخة عن العالم 2) تتناقض مع أدلة ثبتت صحتها 3) تؤثر في الطريقة التي يفهم بها الناس العالم 4) لا بد أن يجري تصحيحها للوصول للمعرفة الصحيحة) ثم يستكمل الكتاب حديثه عن أهمية أن يكون "محو الخرافات" مكوناً أساسيا في تعليم دروس علم النفس. وأنا أعتقد أن "محو الخرافات" يجب أن تكون ضمن مكونات أي علم نافع والذي يقود الى فهم أعمق نحو الحياة بعيداً الخزعبلات التي تعيق ذلك، أن محاربة الخزعبلات والخرافات هي أشبه ما تكون بزكاة علم المتخصص التي يجب أن يؤديها.
شد إنتباهي أيضا ما ورد في صفحة 50 (تحت فصل قدرة المخ) حيث يتحدث الكتاب عن حركة روحية تسمي نفسها العهد الجديد (New Age) توهم الناس من خلال هذا الإسم أنها من رواد علم حديث ويأسف المؤلفون كيف يصدق الناس أنهم بإستطاعتهم تحقيق أحلامهم من خلال طاقتهم الداخلية وأنهم بغنى عن العمل الجاد . الغريب أن أحد متخصصي هذا العلم المزعوم يفتخر بأنه من رواد العهد الجديد وهو يجهل عن مدلول هذا الإسم الذي تكتنفه شبهات كثيرة.
على كل حال طرحنا في نهاية هذا المقال مجموعة أسئلة وموضوعات (علم نفس و علوم شرعية) نترك إجابتها لأهل الإختصاص، هذا ما توصلنا له بعد البحث والإطلاع فإن أصبنا فمن الله وإن أخطئنا فمن أنفسنا والشيطان ، اللهم أرنا الحق حقاّ وأرزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا إجتنابه. 

أخوكم/ طلال عيد العتيبي
عضو هيئة تدريس
(قسم القوى المحركة - كلية الدراسات التكنولوجية - الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب)
بكالريوس جامعة الكويت 2005 – تخصص هندسة ميكانيكية
ماجستير جامعة تكساس أوستن 2012 – تخصص نانوتكنولوجي (Nano-mechanics)
رابط يشرح طبيعة الأبحاث التي قمت بها خلال دراسة الماجستير: http://www.me.utexas.edu/news/2011/1211_moon_moncrief.php
رابط رسالة الماجستير لمن أراد الإطلاع: http://repositories.lib.utexas.edu/bitstream/handle/2152/ETD-UT-2012-05-5296/ALOTAIBI-THESIS.pdf?sequence=1
للتواصل:
@4Talalblog
email: 4talalblog@gmail.com