الأربعاء، 26 مارس 2014

كيفية التعامل مع جديد الأفكار .. "قانون الجذب" نموذجاً!

بقلم: م. طلال عيد العتيبي
 

في يوم من الأيام إتهم جابر بن حيان رحمة الله (عالم كيمياء) بالزندقة وتم رفض ماجاء به من آراء علمية وحقائق مهمه ساهمت في تطوير علم الكيمياء، وأُتّهم أيضاً كل من كوبرنيكوس وجاليلو (علماء فيزياء وفلك) من قبل الكنيسة بالزندقة وتم محاربتهم لتوصلهم الى حقائق علمية تأكد أن الكرة الأرضية هي التي تدور حول الشمس وليس العكس، هذه نماذج تاريخية تجسد أزمة التعامل مع جديد العلوم، والذي يتكرر أمثالهم عبر الأزمان وفي مختلف البلدان.
لكن إذا ما حاولنا الذهاب الى الجهة المقابله من الأمر، فسنجد أن التاريخ مليئ بالمخادعين أهل الخرافات الذين توشحوا لباس العلم، في زمن جابر بن حيان رحمة الله، كان هناك رجال يدّعون قدرتهم على تحويل الحديد الى ذهب، وكانوا يقومون كذباً وخداعاً بعملية طلاء الذهب (المستخدمه حاليا) وليس بتحويل الحديد لذهب، هؤلاء المشعوذون تاجروا بهذه الخرافه زمناً حتى فضح الله أمرهم، ليس الأمر محصوراً على الكيمياء ومختلف العلوم الطبيعية، بل أيضاً تم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحاديث كثيرة وخداع الناس بها متاجرةً بالمال مثل الحديث المكذوب (إذا حمي الوطيس فعليكم بالهريس).
إن الخرافات "طفيليات" لا يمكن لها العيش الا حول العلم "الشجرة المثمره" تقتات عليه، إن غالبية وجودها مرهون بعمل تجاري بحت، وهي أفكار مغلوطة تعبث بالعقل والقلب، وممارسات تعبث بثقافة المجتمع وإعتقاداته، ومثلما نهتم بنشر العلم النافع، يجب في الوقت ذاته أن نحارب الخرافة التي تهدد النمو المعرفي، إن هذين الأمرين أشبه ما يكون بقدميّ الإنسان، لا يستطيع المشي الا بهما معاً.
يبقى السؤال الأهم هنا: كيف يمكن لنا التمييز بين هذين الأمرين: علم نرحب به، أو خرافة نرفضها؟
 

أولاً: الإنفتاح على الجديد:

عندما أراد جون ماكسويل التخصص في الفيزياء نصحه بعض المختصين أن يبحث عن تخصص آخر مدعياً أنه لم يعد هناك ما يستحق البحث في الفيزياء، فعلى حد قوله أن نيوتن أنها كل المسائل العالقة في الفيزياء، لكن ماكسويل إستمر وأحدث ثورة في الفيزياء جعلته أن يعد أعظم رجل في الفيزياء بعد نيوتن وأينشتاين، إن هذه القصة تعطينا رسالة واضحة أن باب الإجتهاد في العلم مفتوح لقيام الساعة، وأن العلوم الإنسانية (علم إقتصاد وعلم إجتماع .. الخ) والطبيعية (فيزياء ورياضيات .. الخ) تتطور مع الوقت وتنضج، تأتي نظريات حديثة تطور نظريات قديمة، في كل ساعة ينضج فهمنا أكثر نحو الكون والإنسان، هذا هو طريقة عمل العقل البشري الذي يتطور إنتاجه مع الوقت و هذه طريقة نمو المعرفة البشرية التي تنضج مع التجربة.
إن تولي المجتمع الغربي (بما لديه من إنحرافات أخلاقية ودينية) زمام التطور المعرفي فيما يخص هذه العلوم، يجعل الإنفتاح على إنتاجهم المعرفي ضرورة، والتطور مواكبةً لما وصلوا إليه أمرٌ لابد منه، لكن الأزمة تأتي من غياب المنظومة المعرفية التي تضمن لنا التمييز بين العلم و الخرافة، وعدم وضوح المعايير التي نعرف من خلالها النافع من الضار، إن الأصل في هذه المسألة هو الإنفتاح على جديد الأفكار التي نستقبلها من أي مجتمع كان، لكن وفق منظومة معرفية ومعايير نفرز من خلالها ما ينفع ونترك منها ما يضر، نعرف بها الغث من السمين، إن هذا التوجه يضمن لنا تطور معرفي متزن خالي قدر المستطاع من الخرافات بما لا يمس ثوابتنا الشرعية والأخلاق العامة.
 

ثانياً: ملامح منظومة التعامل مع الأفكار الجديدة:

الإنسان بيئة معقدة تتداخل فيها إتجاهات عديده، يهمنا منها ثلاث إتجاهات عامة: المعرفة البشرية والأخلاق الإجتماعية والمعتقدات الدينية. إن هذا الإنسان الذي يعيش في مجتمع شكل أخلاقه وطرق تعامله مع الآخر في صورة عادات وتقاليد، يتعلم كل يوم معرفة جديدة أنتجها البحث العلمي والتجارب الشخصية وغيرها، هو ذاته الإنسان الذي يتعبد خالقه من خلال تعاليم الدين الذي يعتنقه. إن الغاية من هذا المقال هو مناقشة كيفية بناء منظومة متزنة تتكون من هذه الإتجاهات الثلاثة وفهم تأثيرها فهماً عميقا، تقوم عليها معاييرنا في التعامل مع الأفكار الجديدة. 

المرجعية هي المحور الأهم:

إن العقل الذي يستنبط ويقارن ويستنتج .. الخ، لا  يمكن له العمل الا وفق مرجعية محددة، فكما أن قوانين نيوتن (الفيزيائية) لم تعمل الا وفق مرجعية "الزمان والمكان المطلق"، فكذلك أي علم أو رأي يجب أن ينطلق من مرجعيات محددة تكون محل إتفاق عام، وقد يقول قائل: لا نريد دين أو علم ما أن يكون مرجعيتنا، ولنجعل عقولنا مرجعيتنا الوحيدة في المناقشة والحوار وليدلي كل طرف بحجته،  والقول بهذا قول غير عملي، لأن من صفات المرجعية الثبات والوضوح عند الجميع، و حقيقة تعدد الأفهام تنتج تعدد العقول وإختلافها، وهذا الإختلاف يجعل من غير الممكن أن يكون العقل مرجعية (لأنه بكل بساطة يختلف من إنسان لآخر) بالإضافة الى أن العقل آلية إستنباط وليست مادة يدور حولها الحوار، لذا وما أن نتوصل الى مرجعية (ثوابت عامة) يتوافق عليها الأغلبية حتى يكون بإستطاعتنا الإنطلاق والحوار والنقاش والإنتاج، إن تحديد مرجعية واضحة يجعل التعامل مع الأفكار الوافدة أكثر إنضباطاً وأسلم. ولأن المرجعيات تختلف بإختلاف طبيعة العلوم، لذا سنتناولها فيما يلي:

1.     العلوم الإنسانية والطبيعية:
من العلوم الإنسانية التي تعتني بالبحث في الإنسان وإهتماماته وسلوكياته وعلاقته بالمجتمع وفق مناهج علمية (يغلب عليها الطابع الإحصائي)، الى العلوم الطبيعية التي تعتني بالبحث في الظواهر الكونية وتفسيرها وفق مناهج علمية (يغلب عليها الطابع التجريبي)، إن منهجيات البحث المختلفة تنتج مختلف النظريات والقوانين والآراء، إن هذه العلوم لها من المرجعيات ومناهج الإثبات والإستدلال والإستنباط والنفي ما يضمن أن يكون بناءها المعرفي متماسك ليس للخرافات فيه موطئ قدم.
قدم العالم كارل بوبر (Karl Popper) مفهوما يضع حداً فاصلا بين الحقائق العلمية وبين الخزعبلات ألا وهو (Falsifiability) والذي يعني "قابلية القانون أو النظرية لإمكانية إثبات خطئها"، حيث يقول كارل بوبر في ما معناه: (إن صحة النظرية ليست في كثرة الشواهد والتجارب المعملية التي تثبت صحتها فقط إنما أيضا في قابلية النظرية للإختبار "Testability" بطريقة تنقضها)، إذا وجدت الطريقة التي تحمل إمكانية نقض النظرية لكن فشلت هذه الطريقة في النقض، فإن هذا الأمر يعطي دعما أكبر لصلابة وقوة النظرية أو القانون، وأي نظرية لا تمتلك إمكانية النقض (أي لا يمكن إختبار خطئها من صحتها) فإنها مجرد خزعبلات أو في أحسن أحوالها فرضيات وظنون لا يعتد به علميا. لكن يستدرك كارل في النهاية فيقول أن الأمور الدينية لا يمكن أن يتم تطبيق هذا المفهوم عليها، بمعنى أن الآراء أو الأفكار التي لا تخضع للمفهوم الذي يقدمه فهي إما خزعبلات (أو فرضيات لا سند يثبتها) أو عقائد دينية (للإستزادة حول مفهوم "Falsifiability": الرد العلمي على خرافة "قانون الجذب" والذبذبات والطاقة! http://www.4talal.blogspot.com/2014/01/blog-post.html).
لذا فإن الأصل في هذه العلوم هو الإثبات التجريبي والإحصائي وفق مناهج علمية متفق عليها في الأوساط العلمية، إن المختصين في هذه العلوم يحاولون بناء أفضل الطرق (منهجيات علمية) لضمان التوصل لأصح الإجابات. لذا فإن رأي وقول "علمي الطابع" لا يستطيع صاحبه إثباته وفق طرق الإثبات المعمول بها في الأوساط العلمية، فليس له أدنى علاقة بالعلم، قد يكون أمرا شرعيا يستوجب التعامل معه بمرجعية دينية أو أنه خرافة لا أساس لها. 

2.     العادات والتقاليد الإجتماعية:
إن العادات والتقاليد والأخلاق العامة التي تكونت عبر الأزمان وتغيرت ضمن أحداث عصفت بالمجتمعات هي البيئة التي تشكل ثقافة الإنسان، إن هذه العادات الإجتماعية تتشكل على هيئة قوانين تحكم العلاقات الإجتماعية بين الناس وتصيغ ملامح طرق تواصلهم. تختلف هذه العادات من المجتمع القبلي الى المجتمع المتمدن. إن وجودها واقع والتعامل معها لا يكون الا وفق المنفعة العامة. إن أهمية وجودها يكمن في أنها بمثابة القانون الخفي الذي ينظم حياة الناس حتى وأن غاب قانون الدولة، فهي بمثابة قانون أمان. لذا ليس من النضج في شيء أن يتم التعامل معها وكأنها قيّد ثقيل يعطل حركة المجتمع. من الطبيعي أن يشوبها الخلل في بعض أجزاءها لكن هذا ليس مبررا لتصادم معها كليةً، فهذه العادات الإجتماعية هي التي تساهم في تشكيل هوية الإنسان والطعن فيها قد يشكل هزة لا يحمد عقباها.
في عصرنا الحديث نجد أن بعض العادات الإجتماعية تقف حجر عثرة أمام التطور، مثال ذلك: الثقافة القبلية التي تستحقر من يمارس الصنعه، وبلا شك أن مثل هذه الثقافة (وإن قلة حدتها الآن) الا أن ظروفاً حياتية سابقة إستدعت تشكلها، لكن في عصرنا الحاضر زالت هذه الظروف ولايزال البعض يتعلق بها دون مبرر. من المهم على الإنسان فهم ظروف تشكل عاداته وتقاليده، فإذا وجد أن الظروف تغيرت كان ذلك أهون عليه في التخلي عنها ، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بوجود مثل ثقافة إستحقار الصناعة بينما نحن ننشد التطور التكنولوجي والذي يتطلب إقامة المصانع ووجود أيدي وطنية عامله. لذا فإن التعامل مع العادات والتقاليد الإجتماعية يجب أن يكون على معيار المنفعة الإجتماعية العامة والتي لا تتعارض مع ثوابت الشريعة السمحاء. فإذا كان من غير المقبول التقليل من أهمية وجود العادات الإجتماعية والتقاليد فإن من الخطأ وضعها كمرجعية ثابتة في التعامل مع العلوم الجديدة.
إن أهم ما تتبادله الأمم فيما بينها هي الحكمة "ذروة المعرفة البشرية"، إنها خلاصة التجارب الحياتية والخبرات. الحكمة البشرية هي كل تجربة إيجابية بنت فهما أعمق للحياة بما يساهم في رفع الوعي العام ويحقق المنفعة الإجتماعية العامة. لذا فتناول جديد الأفكار من هذا المنظور يجب أن يكون أيضاً وفق تحقيق المصلحة الإجتماعية العامة.
أما بخصوص مسألة الأخلاق العامة وبالرغم من صعوبة تناولها تفصيلاً إلا أن هناك أموراً لا خلاف عليها في الحد الأدنى من الأخلاق الواجب توافرها في أي المجتمع، وإذا أردنا قدوة تدور حولها منظومتنا الأخلاقية، فليس هناك أفضل من قدوتنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم). 

3.     الدين:
ما الدين في مفهومه العام (نطرح تعريفاً لكل أنواع الديانات السماوية والوضعية) إلا مجموعة أفكار وعقائد تبحث الغاية من وجود الكون، وعلاقة الإنسان بما وراء الطبيعة، فتتمثل هذه الأفكار والمعتقدات على شكل طقوس وممارسات وشعائر. أن العلم (العلوم الطبيعية والإنسانية) مساحته محدودة لا يمكن له تناول القضايا دينية الطابع. إن من صفة العلوم أن تكون أفكارها محل إثبات تجريبي أو إحصائي، وهذا ما لا يمكن العمل به في القضايا الدينية. في ديننا الإسلامي المبارك، نعرف من خلاله علاقتنا بخالق الكون جل جلاله، والغاية من وجودنا، ونعلم بما أوحي الى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وجود الملائكة والجن والشياطين والقدر خيره وشره. ومثل هذه الأمور عصي على العلم الخوض فيها لا من قريب ولا من بعيد. لذا فإن كل قول لا يستطيع صاحبه إثباته بأحد طرق الإثبات العلمي لا يمكن أن يندرج تحت أحد من العلوم (علوم طبيعية أو إنسانية) الواجب إثباتها. وكل ما لا يمكن إدراجه تحت أي علم من العلوم، فإما أن يكون حكمة بشرية (يتم التعامل معها وفق المصلحه العامة)، أو أنه أمر ذا طابع ديني بما يستوجب التعامل معه بمرجعية شرعية.
إن نؤمن إماناً كاملا بأن مصدر ديننا الاسلامي هو الله جل في علاه له الكمال والتنزيه، فكل أوامره وأحكامه لا يشوبها العيب والقصور، وأن الإدعاء بأنه قد تشوب أحكامه علة ليست الا علة في فهم بعض البشر لها لا في ذاتها. فديننا الإسلامي هو أم المرجعيات مجتمعة ومقدم على غيره، حتى إن خالف فيما يأتي به (الثابت والمتفق عليه شرعاً) حقيقة علمية مثبته. لا يمكن لنا فهم هذا الأمر إلا إذا إستوعبنا حقيقة العلوم. إن العلوم الإنسانية والطبيعية من إنتاج البشر الذي يعتري فهمهم وإدراكم القصور، وفي كل يوم يتطور فهمهم للكون وفق مناهج منضبطه، وأما ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من ربه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وإذا كان من المنطق تقديم الكامل (الذي قد يعتريه القصور بس أفهام الناس) على ما ثبت قصوره وإستحالة كماله، فإن من المنطق تقديم احكام الإسلام على ما خلافه من الإنتاج الفكري البشري.
مما سبق تتضح لنا الصورة العامة في التعامل مع كل قول يتفوه به صاحبه، والذي يجب أن يكون على إحدى ثلاث أوجه:
·         علميا:
هل هو قول علمي وتحت أي باب من أبواب العلم، وما هي حجة إثباته التجريبية أو الإحصائية؟
·         ثقافيا:
 هل هي من باب الحكمة والتجارب الشخصية غير المقننه التي قد تصيب وقد تخطئ، وما أثر ذلك على المجتمع وثقافته والمصلحة العامة؟
·         دينيا:
إذا كان لا يحمل قوة الإثبات التجريبي أو الإحصائي ويخوض في أمور لا يمكن إختبارها، وليست حكمة تصب في تحقيق المصلحة العامة ، فهل هو قول يبحث في جواهر الأشياء وأصل الوجود "دينيّ الطابع" ؟ إذا كان كذلك يجب أن يتم التعامل معه بمرجعية دينية.

وكل شيء لا يندرج ضمن الأبواب السابقة فهو خرافة يجب رفضها. سنضع ما يسمى بـ"قانون الجذب" على محك التطبيق كنموذج نعرف من خلاله هل هو علم، أم تجارب شخصية نافعه، أم عقائدة دينية، أم أنه خرافة يتاجر بها أهلها.

 

ثالثاً: قانون الجذب نموذجا:

وحتى يكون ما أسلفنا مناقشته قابلا للتطبيق والعمل، إخترنا أن يكون ما يسمى بـ"قانون الجذب" مثالاً على كيفية التعامل مع الأفكار الوافدة، ومحاولة فهمها والإستفاده منها إن كان فيها نفع، أو هجرها إن كانت غير ذلك. إن ما يسمى بـ"قانون الجذب" بصورته الحالية يقول باختصار: (المتشابهات تجذب المتشابهات) وأنك إذا فكرت في شيء ما بتركيز فإن هذا الشيء سينجذب لك وستحصل عليه. وأن المهم هو أن تفكر في الشيء وتركز عليه وتسأله في داخلك وأنه عندما تكون ذبذباتك متوافقة مع ذبذبات هذا الأمر، فإنك ستكون قادر على جذبه نحوك واستقباله (إسأل، أؤمن، إستقبل). مثلاً: كأن نفكر في سيارة ونسألها ونعيش تفاصيلها وعندما تكون ذبذباتنا متوافقة مع ذبذبات السيارة المطلوبة، فإننا سنحصل عليها بكل تأكيد. سنتناول ما يسمى بـ"قانون الجذب" علمياً وثقافياً ودينيا، لنعرف بالضبط منفعته من ضرره:

1.     الأساس العلمي لما يسمى بـ"قانون الجذب":

بالرغم من إستمرار المتخصصين في ما يسمى بـ"قانون الجذب" في إعطاء قانونهم الصبغة الفيزيائية، فإني وفي مقال سابق لي (الرد العلمي على خرافة "قانون الجذب" والذبذبات والطاقة!  http://www.4talal.blogspot.com/2014/01/blog-post.html ) ناقشت بالتفصيل بطلان الأساس العلمي،  ابتداءاً بتناول مفهوم النظرية والقانون العلمي والفرضية ومناهج الإثبات، وخلصت الى أن ما يسمى بـ"قانون الجذب" لا يستند الى أي حقيقة علمية، ولم يثبت تجريبيا أو إحصائياً، وبإختصار فإن بطلان أساسه العلمي إستند الى السببين التاليين:
1.       أن ما يسمى بقانون الجذب لم يستكمل أركان وشروط القانون علميا، لذا فهو ليس بقانون، إنما في أفضل أحواله فرضيات لا إثباتات تجريبية تدعمها، أو خزعبلات لا أصل لها أو عقائد دينية مستوردة (يمكنك العودة للمقال لمزيد من التفصيل).
2.      أن جميع التفسيرات الفيزيائية الصحيحه (مفهوم الطاقة والجذب والذبذبات) لا تعمل في صالح ما يسمى بـ"قانون الجذب" بصورته الحالية كما أوردنا تفصيلها، بل إن جميع تفسيراتهم المغلوطة تنم عن عدم إلمام بأساسيات الفيزياء المتعارف عليها (يمكنك العودة للمقال لمزيد من التفصيل).

نشرت ردي العلمي المفصل لأكثر من شهرين، ولم يردني رد علمي واحد يفند ما تقدمت به ولم يستطع أهل ما يسمى بـ"قانون الجذب" الإدلاء بحقيقه علمية واحدة تدعم قانونهم المزعوم، إن كل حديثهم في حقيقته مجرد تفسيرات مغلوطه أو مناقشات فيزيائية لم يعتد بها يوما من الأيام في الأوساط العلمية، أو خيالات علمية إبتدعها فلاسفه وصحفيين كـ"العوالم المتوازيه"، أو أن يتكلموا في فرضيات (ليس لها إثبات علمي) على أنها حقائق علمية، لذا فإن تناولهم لما يسمى بـ"قانون الجذب" كقانون علمي هو سطحية وسذاجة إن لم يكن كذب وتزوير لا يليق بأهل العلم المفترض بهم الأمانه العلمية. 

2.     الأثر الثقافي لما يسمى بـ"قانون الجذب":

جميعنا يؤمن بأثر التفاؤل على النفس البشرية، ودور الإيجابية في الإنتاجية والتقدم، لكن ما لا نستطيع تقبله هو الإتيان بتفسيرات لأثر التفاؤل تعارض مع الأسس العلمية. إن عدم قبولنا بما يأتي به قانونهم المزعوم لا يعني عدم إماننا بأثر التفاؤل في حياتنا (قاعدة عقلية: إن عدم العلم بالشيء لا يكون علما بعدمه ولا يكون دليلا على نفي وجوده)، إن عدم قدرتهم على إثبات تفسيراتهم لا يعني عدم وجود إثر للتفاؤل في الحياة، لذا يجب أن يتم تناول مسألة التفاؤل من وجهة نظر علمية منضبطة ، وهو بالضبط ما هو معمول به في تخصصات العلوم الإنسانية (علم النفس).
وبعدما ثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن ما يسمى بـ"قانون الجذب" لا يستند لأي أساس علمي حيث لا يجوز أن نتناوله كمفهوم علمي، فإن هذا لا يمنع أن نحاول فهمه ثقافياً، فهناك من التجارب الشخصية والحكمة الإنسانية التي قد يستعصي معها الإثبات العلمي لكنها نافعه نوعاً ما، فهل بإمكاننا أن نصنف ما يسمى بـ"قانون الجذب" كنوع من الحكمة و التجارب الشخصية النافعه؟ هذا ما كنت أعنيه أن نحاول فهم هذا القانون ثقافيا.
إن أصحاب ما يسمى بقانون الجذب يؤكدون أنهم بهذا القانون يدعون للتفاؤل وحسن الظن بالله، وان التفاؤل يجذب الأمور الإيجابية ويستشهدون بآيات وأحاديث قرآنية. من المهم هنا أولاً تناول موضوع في غاية الأهمية ألا وهي "الغاية والوسيلة". إن سلامة الغاية لا يعني بالضرورة صحة الوسيلة التي تحاول تحقيقها، هنا سنطرح مثالين مهمين نستوضح فيهما الأمر:

1.      مثال هندسي:
لو أن رجلاً أراد أن يقوم بعمل في غاية النبل، أراد أن يبني عمارة سكنية من 200 طابق، يريد ان يأوي بها 1000 عائلة فقيرة. لكن هذا الشخص قام بتصميم العمارة دون أن يتبع طرق التصميم الهندسي ولم يحترم قوانين الفيزياء. إنه بكل إختصار لن يتمكن من بناءه وسيتهدم في بداياته، وإن أتم بناءه فسيكون هزيلا وسيسقط على رؤوس آلاف الأشخاص. لذا فسلامة الغاية ونبلها لا يعني بالضرورة أن الوسيلة لتحقيقها صحيحة بل ربما تكون كارثية النتائج.  

2.      مثال شرعي:
لو أن شخصاً يحب الله عزوجل حبا جما لكنه يريد أن يعبد الله على طريقته الخاصة، رفض أداء الصلاة والزكاة والحج وأراد أن يعبد الله على هيئة طقوس رقص وتأملات وتمتمات معينه، فهل ستقبل عبادته؟ لذا فإن الغاية النبيلة وهي محبة الله وحسن الظن به وعبادته، لم تتم وفق الطريقة الصحيحة. 

يتبين لنا من المثالين السابقين أن سلامة الغاية لا تغني من الإهتمام بصحة الوسيلة المؤدية لها، لذا فنحن لا نختلف مع أهل ما يسمى بـ"قانون الجذب" في سلامة الغاية ألا وهي حسن الظن بالله و التفاؤل (الذي نؤمن بأثره في الحياة) بل نختلف على الوسيلة. إن وسيلة أهل ما يسمى بـ"قانون الجذب" التي يحاولون الترويج لها هي تهميش دور العمل وتعطيله والإستغناء عنه بالتوافق الذبذبي (الذي أثبتنا بطلانه علميا)، حينما نتعامل مع ما يسمى بـ"قانون الجذب" ثقافيا فإننا سنجد أنه يعطل العمل ويحول حسن الظن بالله والتوكل عليه الى تواكل وكسل، إن أثر هذا القانون المزعوم خطير على المجتمع، إنه كفيل مع الوقت بإنتاج ثقافة الكسل وعدم الإنتاجية، إن مثل هذا الأمر له أثر خطير على إقتصاد الدولة والذي يهدد بقاءها. إننا حينما نحاول إعتباره كتجارب حياتية فإنه يصطدم مع التجارب الحياتية التي لا يختلف عليها أحد وهي ضرورة التفاؤل والعلم الدؤوب المستمر لا التفاؤل فقط وإنتظار أن يأتي لك النجاح وأنت مستلقي على فراشك دون عمل وجهد وتخطيط، لا يمكن أن يكون هذا تفاؤلاً بل وهم وتكاسل.
في كتاب (أشهر خمسين خرافة) لأربعة علماء علم نفس أمريكان، في صفحة 50 (تحت فصل قدرة المخ) حيث يتحدث الكتاب عن حركة روحية تسمي نفسها العهد الجديد (New Age) توهم الناس من خلال هذا الإسم أنها من رواد علم حديث ويأسف كيف يصدق الناس أنهم بإستطاعتهم تحقيق أحلامهم من خلال طاقتهم الداخلية وأنهم بغنى عن العمل الجاد.
لم يتوقف أثر هذا القانون المزعوم على المجتمع في ترويج ثقافة الكسل في طلب الرزق بل أيضا تجاوز الأمر أن أصبح يهدد حياة الناس، إن عملاق شركة أبل الأمريكية (ستيف جوبز) رفض التداوي من مرض السرطان بالطب الحديث، وأصر على أنه قادر على طرد المرض بإستخدام قانون الجذب والتأمل واليوجا والعلاج بالطاقة المزعومه، حيث أنتهى أمره أن مات دون جدوى هذه الخزعبلات. بالرغم من أن علاج السرطان بالطب الحديث لم يثبت جدارته إلا أن مروجين قانون الجذب والطاقة لم يقدموا دراسة علمية واحدة تثبت تفوقها على الطب الحديث. أن ترك التداوي بما هو معلوم أثرة والعمل بما هو مجهول جريمة إنسانية . لذا ومما تقدم مناقشته، نجد أن ما يسمى بقانون الجذب لا يحقق مصلحة إجتماعية عامة، بل ضرر إجتماعي خطير. 

3.     البعد الديني لما يسمى بـ"قانون الجذب":

توصلنا حتى الآن الى أن ما يسمى بـ"قانون الجذب" ليس له أساس علمي، وأثرة الثقافي سلبي جداً، فلا هو مفهوم علمي ولا هو حكمة نافعه، فما هو يا ترى؟
من يشتغل بالعلم يعلم تمام التقين بأن العلم تراكمي والمعرفة تتطور مع الوقت، وأنه لا يوجد ثورة علمية تأتي على شكل فقاعه لا جذور لها، إن قانون الجذب العام لنيوتن ما كان الا أستكمالا لما قدمه جاليليو وكوبرنيكس، والأمر ينسحب أيضاً على فيزياء الكم، التي تطورت خلال عقود من الزمن. إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا نتسائل كيف تطور ما يسمى بـ"قانون الجذب" وماهي جذوره وكيف أصبح على شكله الحالي؟
ان الحقيقه المرة التي سيجدها محبين ما يسمى بـ"قانون الجذب" أن جذور هذا القانون جذور دينية وليست علمية، إن مؤلفة كتاب السر (روندا بايرن: صحفية و ليست عالمة في تخصصات علمية) تقول في كتابها النسخة الإنجليزية (You  are the God in a physical body)، تعني هذا العبارة أنك الرب في صورة جسد فيزيائي (والعياذ الله، تعالى الله عما يصفون)، لذا ستكون النتيجة المنطقية لمثل هذا الإعتقاد أن الرب حينما يسأل الكون فإن الكون يجيب دون أن يتطلب ذلك عملا من الرب (كن فيكون)، وهذا سبب تعطيل قانون الجذب للعمل، أن قانون الجذب ينطلق من عقائد دينية بحته "الوجودية".
تجدهم يقولون أنت مسؤول عن ما تصنع وما تكسب (خير أو شر)، حتى المرض أنت تجذبه، (Ask the universe, the universe delivers) بمعنى إسأل الكون الكون يجيب، لذا فإن كان كل ما يفعل الإنسان هو نتيجة إرادته المحضه، وأن حتى مرض الإنسان هو الذي تسبب به وأنه هو أيضا القادر على طرده، إن الإنسان وبعد إعتناق أفكار قانون الجذب سيجد نفسه مع الوقت وبشكل تلقائي غير محتاج لله عزوجل. وهذا هو الهلاك المبين.
أن البعد الديني على يترتب على دعوات أدعياء قانون الجذب خطير جداً على عقائد الناس، لذا فإن قانون الجذب يندرج تحت الروحانيات (وليس العلم أو التجارب الشخصية) ويجب التعامل معه بمرجعية شرعية. إن المتخصصين في العلوم الشرعية أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أن ما يسمى بقانون الجذب هو نتاج عقائد بوذية مستوردة لا تمت للعلم بصله. 

الإشكالية الحقيقية لما يسمى بـ"قانون الجذب" مع الدين الإسلامي:

بعد تراكم آلاف المعارف الإنسانية والتجارب الحياتية والحكمة الأممية وما قدمه لنا ديننا الحنيف، عرفنا نميز بين التفاؤل والتكاسل، وبين الأمل والوهم، وبين العلم والخرافة، وأهمية التفريق بين الغاية والوسيلة ، وأن سلامة الغاية لا تعني بالضرورة سلامة الوسيلة. إن إشكالية ما يسمى بقانون الجذب، هو تعامله مع العلم والدين والتجارب البشرية بطريقة إنتقائية، بما يحقق "مآرب تجارية" بحته! 

·         ضرورة العمل:
ينص ما يسمى بـ"قانون الجذب" على: (Ask إسأل، Believe أؤمن، Receive إستقبل) والذي يؤكد على عدم أهمية العمل (إقرأ كتاب السر The Secret باللغة الإنجليزية وليس المعرب زوراً)، أستغرب من المروجين لهذا القانون المزعوم طريقة تعاملهم مع الدين الإسلامي وكأنه "علبة شوكولاته" يأخذون منه ما يشتهون فقط، إن تناول المسائل الشرعية لا يمكن أن يكون بهذه الطريقة السطحية ، بل يتطلب فهم عميق للنصوص الشرعية عملاً بقواعد الإستنباط الفقهية والمقاصد الشرعية العامة ، وهذا بالضبط ما هو معمول به في تخصصات العلوم الشرعية ، إن مروجين قانون الجذب يأخذون حديث "أنا عند حسن ظن عبدي بي" ولا يريدون فهمه في سياق الآيات والآحاديث الآخرى التي تؤكد على ضرورة إقتران حسن الظن بالله بالعمل الدؤوب وفق طرق صحيحه والتي منها على سبيل المثال:
1.      قال تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً).
2.      قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً).
3.      قال تعالى: (فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض، وابتغوا من فضل اللّه، واذكروا اللّه كثيراً لعلكم تفلحون).
4.      قال تعالى: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور).
5.      قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لأن يأخذ أحدثكم أحبُلةُ ثم يأتي الجبل، فيأتي يحُزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجههُ، خير له من أن يسأل الناس، اعطوه أو منعوه). رواه البخاري.
6.      قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكُل من عمل يديه، وإن نبي الله داود صلى الله عليه وسلم كان يأكل من عمل يده) رواه البخاري.

وسيدتنا مريم عليها السلام حينما جاءها المخاض في ولادة سيدنا عيسى عليه السلام، قال تعالى: (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا)، إن الله عزوجل قادر على أن يسقط الرطب دون ضرورة أن تهز جذع النخله (ملاحظة: هذا الجذع لا يستطيع هَزّه أعتى الرجال، فما بالك بإمرأه في ساعة ولادة)، لكن الله عزوجل أراد أن يؤكد لنا على سننه الكونية، الأولى: هي ضرورة بذل الجهد المستطاع حتى وإن كانت جدواه قليله، الثانية: هي أن النتائج من عند الله وحده وليست بإرادة الإنسان المحضة.
إن حسن الظن بالله يستقيم حينما نتبع أوامره سبحانه بالعمل والجهد وبذل اللأسباب، حتى لا يتحول الأمر من التوكل الذي يحث عليه الشرع، الى التواكل المنهي عنه شرعاً. 

·         جذب الإنسان للخير والشر:
يؤكد مروجين ما يسمى بـ"قانون الجذب"، بأن الإنسان هو المسئول المباشر عما يصيبه، فإن أصابه خير فهو الذي جذبه، وإن أصابه شر هو الذي جذبه أيضاً، فإذا كانوا يعتقدون بأن قانونهم المزعوم هو ترجمة لحديث: (أنا عند حسن ظن عبدي بي)، فكيف يتعاملون على هذا الأساس مع ما يلي من الآيات والآحاديث:
1.      قال تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين· الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون· أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
2.      قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً).
3.      قال تعالى: (أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون·  ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).
4.      قال تعالى: (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة).
5.      قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة).
6.       قال تعالى: (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون).
7.      قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي.
8.      قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يصب منه) رواه البخاري.
9.      قال النبي صلى الله عليه وسل: (ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) رواه البخاري ومسلم.
إننا نؤمن بأن الخيرات والمصائب التي تصيبنا من عند الله وحده، فالخير رزق يرزقنا الله إياه، والمصيبة إبلاء من الله يختبر بها إماننا وصبرنا وليكفر بها خطايانا، هذه هي حقيقة حسن الظن بالله لا ما يدعوا له قانونهم المزعوم. إني هنا لا أخوض في مسائل شرعية تخصصية إنما أستعرض ما هو معلوم من الدين بالضرورة.

·         المسائل العقدية:
إن أخطر أمر يروج له أهل "قانون الجذب" ضمنياً وهم لا يعلمون هو الإستغناء عن الله عز وجل (وإن كان ظاهر حديثهم حسن الظن بالله)، إن إيمان الإنسان أن الخير والشر هو الذي يجذبه (المسئول عنه) والمطلوب فقط أنه بمجرد أن يسأل ويؤمن بالأمر الذي يريده فإن الكون يجيب له أكان حسناً أو سوءاً يجعل الإنسان يتسائل عن الجدوى من الدعاء لله عزوجل إذا كان الدعاء تحصيل حاصل. هل يمكن القبول بالأمر على أنه واقع لا إرادة فعليه لله عزوجل في الإبتلاء ولا الجزاء ولا في نفاذ الدعاء ولا رده! 

رابعاً: تساؤل مهم حول ما يسمى بـ"قانون الجذب":

اطرح تساؤلا منطقيا كفيلة بأن يوضح تناقض ما يسمى بـ"قانون الجذب"، لو إفترضنا أننا سندعوا جميعا الى الأخذ بقانون الجذب، فقمت أنا بتمني سيارة فيراري وسألت الكون وركزت عليها وآمنت بالأمر وتوافقت ذبذباتي مع ذبذبات الفيراري، لكن العمال الذي يعملون في شركة فيراري آمنوا مثلي بقانون الجذب وتركوا العمل، فذهبوا لبيوتهم يسألون الكون ما يريدون من أمنيات عملا بهذا القانون، من سيصنع لي سيارة الفيراري ؟! لو إفترضنا جدلا أن البشرية كلها آمنت بقانون الجذب، فمن سيعمل لتحقيق أمنيات الآخر (دون أن يناقض دعوات قانون الجذب بتعطيل العمل)، إن قانون الجذب بدعوته الصريحه لتعطيل العمل يؤدي بالبشرية للتوقف، وسنجد أنه لضمان عمل قانون الجذب يجب أن يعمل الناس لأجل تحقيق رغبات بعضهم البعض وأن تعطيل العمل يؤدي الى تعطيل قانون الجذب ذاته، فهو من حيث لا يدري يعطل ذاته بذاته. ما هذه الخرافات يا سادة!  

خامساً: لماذا تنتشر هذه الشعوذات الجديدة في المجتمعات العربية والغربية؟

كنت أتسائل دائما عن سبب إنتشار قانون الجذب والطاقة في المجتمعات العربية والغربية، مع وجود فرق شاسع بين الثقافتين، المجتمع العربي متدين لكنه يعيش إحباطات كبيره على مختلف المستويات ويغلب عليه عدم الإنتاجية، أما المجتمع الغربي فهو مجتمع منتج متطور لكنه غير متدين، وهذا البون الشاسع بينهما دفعني لتأمل هذا الأمر، توصل في النهاية الى إستنتاج أشارككم إياه.
إن المجتمع العربي يعيش في إحباطات على المستوى السياسي والإقتصادي ويعيش مختلف أوجه الفقر والقهر السياسي، مجتمعات غير منتجه، ليس علة في أفهامها بل في سوء أحوالها السياسية والإقتصادية، لذا فقانون الجذب الذي يتوشح لباس العلم والتفاؤل وحسن الظن بالله ويدعوا في ذات الوقت لثقافة شبيه بثقافته (عدم الإنتاجية والكسل) فمن الطبيعي أن يجد رواجاً كبيراً، فهي تبيع الوهم لا الأمل. أما المجتمع الغربي فهو يعيش فراغ روحي حاد بعد إنقلابه على الدين وطغيان المادية في كل أوجه حياتهم، إن المادية التي يعيشونها (لا روح فيها) تجعلهم من حيث لا يعلمون يبحثون عن الروحانيات التي قد تجيب على أسئلة عميقة لا يمتلك العلم التجريبي لها إجابات، لذا نجد انشارا واسعا للعقائد البوذية والتي توافق طبيعة هذه المجتمعات حيث لا إلتزامات عقائدية، وهي مجرد دين من أفكار وتفاؤل لا تستلزم العمل والإرتباط.
أكاد أجزم أن مثل قانون الجذب لن يجد له مكان عندما يكون المجتمع ملتزما دينيا ومنتجا . يجمع الحسنيين: ما للمجتمع الغربي من حسنات في المستوى العلمي والتنظيمي وحقوق الإنسان وما لدى المجتمع العربي من دين عظيم ينظم كافة شؤون الحياة. 

سادساً: غياب دور الرقابة:

لم يتوقف المروجين لما يسمى بـ"قانون الجذب وعلوم الطاقة" عند التفاؤل وحسن الظن بالله وحديث (أنا عند حسن ظن عبدي بي)، بل تجاوز الأمر الى بيع منتجات ربحية في حقيقتها شعوذة ودجل: خرز سعادة، قرص الأفكار، عملة الثروة المعدنية، فيل وردي، شريطة حمراء. تطور الأمر عند بعضهم أن بدأوا في إستخدام أجهزة يدعون أنها تعالج من الأمراض بينما هي لا تمتلك ترخيص طبي، يروجون أنها تعالج من جميع الأمراض! (ألا يعلم الناس أن أمريكا تنفق مئات الملايين من الدولارات على علاج مرض واحد فقط! أليس ما يروجون له هو الكذب بعينه!)، أجهزة مثل: جهاز الهالة الضوئية وجهاز إيماجو. (سأفرد مقال قادم عن حقيقة هذه الأجهزة، لأن كل جهاز يقوم بناءه الهندسي على Theoretical Background بما يكون له إرتباط وثيق مع ما يمكن علاجه، وهذا ما أتمنى ببيان تفصيله لاحقاً إن أمكنني الوقت، لكن يمكنك الآن الاطلاع على ما أوردته ناشونال جيوغرافيك في بيانها لحقيقة جهاز الهالة الضوئية). إن المسألة لم تتوقف على العبث بأفكار الناس من خلال الشعوذة (بيع التمائم والوهم) بل تجاوز الأمر الى العبث بأرواح الناس من خلال إستخدام أجهزة لا تحمل ترخيص طبي.
أتمنى أن يستعين الناس بالمتخصصين في الهندسة والطب وعلم النفس والعلوم الشرعية، حتى لا يكونوا ضحية هذه الدورات التي تبيع الوهم والمنتجات المشبوهه والأجهزة غير الطبية التي تهدد أرواح الناس . وأن يطاردوا قانونياً من غرر بهم وإستغلهم إستغلالا ماديا ببيع الوهم . 

سابعاً: أزمة التفكير لدى مروجين ما يسمى بـ"قانون الجذب":

لفت نظري في متابعة أهل ما يسمى بـ"قانون الجذب" تجرأهم الشديد على الخوض في كل التخصصات ومسائل علمية معقدة (خصوصا فيزياء الكم) والتي قد يتورع العالم المتخصص عن الخوض فيها.  

1.      الإقتتات على المصطلحات العلمية:
إطلعت على مناظرات العلمية بين أهل العلم وأهل قانون الجذب والذبذبات والطاقة، فتبين لي بما لا يدع مجالاً للشك إستخدامهم لمصطلحات علمية بشكل مجازي (شاهد مناظرة ديباك شوبرا مع داوكنز http://www.youtube.com/watch?v=qsH1U7zSp7k، الذي إعترف فيها ديباك أنه يستخدم مصطلح "Quantum healing: التداوي بالطاقة الكمومية"، بشكل مجازي لا علاقة له بفيزياء الكم "Quantum physics"). كيف يمكن أن نقبل مثل هذا العمل غير الأخلاقي؟ ومن يتجرأ على هكذا أمر، كيف يمكن أن نسلمه عقولنا وندفع له أموالنا؟

2.      عدم التمييز بين الحقائق العلمية والآراء والخيال العلمي والخرافات العلمية:
كثيراً ما كنت أستغرب خلال متابعتي أهل ما يسمى بـ"قانون الجذب" والطاقة والذبذبات، هذه السطحية العلمية الرهيبه، لا يفهمون اختلاف الدرجات العلمية، فيخلطون الحقيقة العلمية (المثبته تجريبياً)، بالآراء العلمية (بعضها مبني على تجارب شخصية ومشاهدات خاصة)، ولا يعرفون جدوى الإفتراضات العلمية (لا إثبات قطعي بصحتها) ولا مساحة الإحتجاج بها. يطيرون بقصص الخيال العلمي (الذي قد تكون مهمه أحياناً) الذي إبتدعها فلاسفة وروائيين (كموضوع العوالم المتوازية: موضوع مطروق منذ عشرات السنين)، ويتحدثون على أنها إكتشافات علمية. وكل هذا سببه عدم التأصيل العلمي والبناء المعرفي المتوازن. ولماذا أصبح يدخل في هذا المجال كل من هب ودب، فهل أصبح من السهل أن يكون الإنسان خبيرا في الطاقة، فقط بقرآءة كتابين وإطلاق الخيال. 

3.      رفض الحوار والإنغلاق على أنفسهم بدعوى أن الخصوم طاقتهم سلبية:
لم يتخلى العلماء من أي عصر عن الحوار والنقاش الذي به يمكن ضمان تصحيح المفاهيم، وكل من يتحجج بأي أمر من شأنه الهروب من الحوار، شأنه شأن المخادعين من كل زمان. رفض أهل قريش حوار النبي صلى الله عليه وسلم ونقاشه، ونعتوه بأقبح الأوصاف (فقالوا عنه مجنون وساحر .. الخ). لذا فمن دأب دأب آل قريش آنذلك وتحجج بأن وعي الخصوم منخفض وطاقتهم سلبيه (دون القدرة على إبداء رد علمي واحد)، فهي مجرد صورة من صور الهروب من الحوار الذي لا ينتهجه الا مخادع سطحي وإن توشح لباس العلم والفهم. 

ختاماً:

            حاولت في هذه الصفحات القلائل أن أتناول موضوع في غاية التعقيد "كيفية استقبال الأفكار الجديدة". لا أن ننغلق على أنفسنا بالكامل، ولا أن نفتح الباب على مصراعيه. إن التوازن في أي أمر محمود، إن المسألة كلها تدور على بناء منظومة ومرجعية تضمن لنا بناءا معرفيا متزما متماسكا لا للخرافة فيه موطئ قدم، نتعامل من جديد الأفكار بأريحية لكن وفق معايير محدده نعرف من خلالها النافع من الضار والعلم ومن الخرافة.
            في هذا المقال نعرض ما نعتقد بصوابه، ولا نجبر أحداً على إعتناقه، نطلب الحوار وبيان الحجج، نؤمن أن المجتمع لا يتطور الا بالحوار المنهجي البنّاء. إن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان، وإن أصبنا فمن توفيق الله عزوجل. اللهم أرنا الحق حقا وأرزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا إجتنابه.
 
أخوكم/ طلال عيد العتيبي

للتواصل:
@4talalblog
4talalblog@gmail.com