الخميس، 7 فبراير 2013

الدليل المختصر للراغبين في التقديم على الدراسات العليا

 
كيف تقدم على الجامعات؟ كيف تحدد الجامعة الأفضل بالنسبة لك ولتخصصك؟ كيف تتعرف على متطلبات القبول وكيف تستكملها؟ ما هي الوسائل الأفضل التي تساعدك في الحصول على القبول الأكاديمي؟ ما هي المعايير التي من خلالها تستطيع أن تحدد المشرف الأفضل لك في الدراسات العليا؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تجد لها أجوبة شافية مستنبطة من تجاربي وتجارب زملائي، وكم أتمنى أن يكون هذا المقال بمثابة دليل مختصر لكل إنسان يرغب في إستكمال الدراسات العليا ..
 
تمهيد ..
كم من الممتع والجميل أن تستمر في تعليم نفسك، سواء كان هذا على المستوى الثقافي من خلال القراءة والإطلاع والتدريب أو على المستوى الأكاديمي من خلال دراسة الماجستير والدكتوراة، أستطيع أن أجزم من خلال خبرتي إن الصعوبة لا تكمن أبداً في دراسة الماجستير أو الدكتوراة بحد ذاتها إنما المشكلة والعقبة الأكبر تكمن في "كيف أبدأ" و "كيف أقدم على الجامعة" وتستمر معاناة الشخص الذي ليس له خبرة ولا علم بالموضوع حتى يتم حصوله على القبول الأكاديمي إن قدر الله له ذلك ، إلا أن معرفة نقطة الإنطلاقة وكيفية البدأ وإستيعاب جميع المراحل في هذا الموضوع يهون كثيرا من هذه الصعوبة ويجعلها مجرد مهمة لتنفيذ خطة واضحة، ونحن في هذا المقال سنتعرف على نقطة الإنطلاقة وجميع المراحل الاحقة لها حتى الحصول على القبول الأكاديمي وبدأ الدراسة والذي آمل أن يساهم كثيراً في تذليل الصعوبات أمام الراغبين في إستكمال دراستهم ..
 
نقطة الإنطلاقة "كيف أبدأ؟" ..
بإفتراض أنك على علم تام بماهية تخصصك الذي ترغب في إستكمال الدراسة فيه، فإن أول خطوة تأتي بعده هي "في أي جامعة سأدرس؟" وهناك ثلاثة معايير تحدد إجابتك على هذا السؤال:
1.      وجود التخصص في الجامعة وتوفر المواد اللازمة لإتمام دراسته ومجالات أبحاث أعضاء هيئة التدريس.
2.      مدى صعوبة وسهولة متطلبات وشروط القبول في الجامعة والقسم العلمي والفترات الزمنية المسموح بها للتقديم.
3.      مستوى وظروف مدينة الجامعة المراد الدراسة فيها: طقس وأمن والغلاء والخدمات المتوفرة.
والسؤال هنا يكمن في "كيف أتعرف بشكل أوضح على هذه المعايير حتى أستطيع أن أختار الجامعة الأفضل لي؟" ، وسنجيب على هذا السؤال بشكل مختصر ومفيد.
المعيار الأول: ملائمة تخصصك
هناك مواقع مشهورة ومعتمدة في كل دولة تقوم بترتيب الجامعات على حسب تخصصاتها العلمية، وإذا ما أخذنا الولايات المتحدة الأمريكية كمثال، فإن موقع (www.usnews.com/) هو الموقع الأفضل للتعرف على جميع الجامعات الأمريكية في تخصصك، حيث يمكنك الذهاب الى ترتيب الجامعات تحت "Rankings" (http://www.usnews.com/rankings) وهنا ستجد مرادك ، فما عليك الا تحديد تخصصك كـ "Mechanical Engineering" مثلا ومشاهدة قائمة أفضل الجامعات في هذا التخصص، سيتطلب منك أحيانا دفع مبلغ رمزي للإطلاع على القائمة.
بإستطاعتك الدخول على الموقع الإلكتروني الخاص بكل جامعة من خلال القائمة السابق ذكرها، ومن خلال موقع الجامعة الإلكتروني يمكنك الذهاب الى الموقع الخاص بالقسم العلمي للإطلاع على التخصصات الدقيقة التي يقدمها القسم العلمي لطلبة الدراسات العليا "Graduate Students"  وبإمكانك بجانب الإطلاع على قامة المواد التي يتم تدريسها "Course Lists" أيضا الإطلاع على الإهتمامات البحثية "Research Interests" لأعضاء هيئة التدريس "Faculty members" التي قد تلائم إهتماماتك.
المعيار الثاني: شروط القبول
أهم المعايير بوجهت نظري هو هذا المعيار، فلكل جامعة شروط للقبول وقد تكون للقسم العلمي أيضا شروط أخرى وهذا أمر متفاوت بين الجامعات، ولا يعني مدى صعوبة الجامعة أن شروط القبول لديها صعبة، لكن من المهم أن نقوم بالإطلاع على هذه الشروط والذي سنجدها غالباً تحت مسمى "Graduate Admission Requirements" وهي في الغالب تدور حول أربع شروط:
1.      الحد الأدنى للمعدل الجامعي للبكالريوس وفي الغالب يكون 3 من سلم الـ 4 نقاط.
2.      إختبار إنجليزي توفل أو أليتز لغير الدارسين في مدارس إنجليزية، حيث تطلب كل جامعة رقم معين كحد أدنى. يمكنك الإطلاع على ماهية هذه الإختبارات والتسجيل بها من خلال موقعهم: التوفل (www.ets.org/toefl/) الأيلتز (www.ielts.org/) وعلى الغالب فإن الجامعات تطلب إحدى هذين الإختبارين، بالرغم من أنه أمر تقديري إلا أنه ومن خلال تجربتي فإني أستطيع أن أجزم بأن إختبار الأيلتز هو الأسهل.
أريد أن أنوه الى هذا الشرط والذي يليه (الشرط الثالث) لا يُشرط إتمامه مع طلب التقديم لكن يجب أن يتم تقديمه قبل بت الجامعة في طلبات القبول وهو الوقت الذي تحدد كل جامعة ويمكنك معرفة الوقت سواء بالمراسلة أو إعلاناتهم.
3.      إختبار GRE  أو GMAT وهما إختبار يحتوى على شق رياضي وشق إنجليزي. لطلبة الهندسة عموما يتم طلب إختبار GRE وطلبة العلوم الإدارية GMAT. ويمكن الإطلاع على ماهية هذه الإختبارات والتسجيل فيها من خلال مواقعهم الإلكترونية: للـ GRE (https://www.ets.org/gre/) و للـ GMAT (www.mba.com/). وهذه الإختبارات قد لا تطلبها بعض الجامعات بتاتاً أوقد تتجاوز بعضها الآخر هذا الشرط حتى وأن تم الإعلان عنه كشرط للقبول.
4.      يتم طلب مرفقات بسيطة كالشهادة الجامعية "transcript" وطلب التقديم "Application" ورسومه و كتابة ورقة تسوق فيها نفسك "Statement of Purpose" ولكيفية كتابة هذه الورقة هناك الكثير من المواقع تساعدك في ذلك كأن تقدم لك نماذج مقترحه والإرشادات التي تحسن من جودة الكتابة (www.statementofpurpose.com/).
بالإضافة لما تقدم فإن لكل جامعة فترات زمنية محدده للتقديم خاص بكل فصل دراسي تحت مسمى "Application Deadline". لذلك ومع إطلاعك على كل ما سبق ذكره تستطيع موازنة الأمر وتحديد إختياراتك بما لا يقل عن 10 جامعات حتى يتم تقييمها من خلال تطبيق المعيار اللاحق عليها والذي يدور حول ظروف المدينة ومستواها المعيشي.
المعيار الثالث: مستوى المدينة
من المهم أيضا معرفة مستوى الدينة ونختصرة في أربعة أمور فقط:
1.      مدى رخص أو غلاء المعيشة والإيجار والمواصلات التي تتواجد في الجامعة المراد التقديم عليها ويمكنك معرفة ذلك من خلال مواقع عدة ، في أمريكا على سبيل المثال يمكنك معرفة مستوى الإيجارات في المنطقة المراد الدراسة فيها من خلال معرفة zip code الخاص بالجامعه وإستخدامة في موقع (http://www.apartments.com/).
2.      الأمن والأمان الذي تنعم به المدينة وهذا له بالغ الأثر على النفسية خلال الدراسة خصوصا للأفراد الذين يصطحبون معهم عائلاتهم. ولا شك أن هناك الكثير من المواقع الألكترونية التي تقيّم مستوى المدينة أمنياً.
3.      الخدمات التي تنعم بها المدينة من مدارس للأطفال وأماكن ترفيه. بينما الأماكن الترفيهية القليلة تجعل من المدينة مكاناً موحشاً إلا أن المدينة ذات الأماكن الترفيهية الكثيرة تلهي كثيراً عن الدراسة ، فالإعتدال والوسطية أفضل.
4.      الطقس مهم جداً ، فهناك مناطق باردة جداً تصل فيها درجة الحرارة الى 20 تحت الصفر شتاءا كالولايات الشمالية ، وهناك مناطق رطبة جداُ كولاية فلوريدا ، وهناك أيضا مناطق حارة كولاية تكساس وأريزونا. وهناك ولايات معتدلة الجو كولاية كاليفورنيا. لذا من المهم الإطلاع والتعرف على طقس المدينة.
بعد معرفة مستوى المدن الذي تتواجد فيها الجامعات يمكنك الآن أن تحدد خمس جامعات على أقل تقدير للتقديم عليها. ولأن كلما زاد عدد الجامعات التي تقدم عليها زادت فرصة حصولك على قبول أكاديمي. والجدير بالذكر أنه يمكنك التقديم على الجامعات من خلال كلمة "Apply" والمتواجده في كل موقع جامعي حيث يمكنك بعدها إرسال المتطلبات من خلال مراكز البريد كـ Aramex أو DHL وأنا شخصياً أستخدم الأول لأنه الأرخص والأفضل.
 
الإستعداد والمتابعة "الخطوة الأهم" ..
من المهم الإستعداد جيداً حتى يتمكن الطالب من إتمام متطلبات القبول من توفل وغيره والذي يقوم العديد من المختصين على تقديم دورات مفيدة تساعد الطالب كثيراً ، إن المحاولة والإصرار من أهم عوامل النجاح، لا تيأس من سقوطتك في الإمتحان الأول أو حتى العاشر ، فبكل تأكيد ستتجاوزها بفضل الله ثم بعزيمتك.
تقديمك لملف القبول هو الخطوة الأولى فقط ، وبالرغم من الأهمية القصوى لهذه النقطة إلا أن متابعة ملفك مع القسم العلمي هو مربط الفرس، إن أغلب الجامعات يكون فرص القبول فيها للطلبة الذين يراسلون مشرف طلبة الدراسات العليا في الكلية أو القسم العلمي، حيث يتمكن الطالب من إثارة إنتباه الجامعة للإطلاع على ملفه وحتى لا يُبخس حقه بين آلاف طلبات التقديم.
وأنا هنا ليس لدي أدنى شك بأن العامل المالي مهم جداً بالنسبه للجامعات، ولأن غالبية طلبة الدراسات العليا في أمريكا خصوصاً يدرسون على حساب أعضاء هيئة التدريس في القسم العلمي كإستثمار وتجارة، فإذا علم القسم والكلية بأنك ترغب في الدراسة على حسابك أو مدعوم مالياً سيوفر ذلك عليهم عناء البحث عن طالب لأجل تبنيه مالياً.، بمعنى إن كنت حاصل على بعثة دراسية من جهة حكومية أو غيرها أو تدرس على حسابك الخاص ، يمكن أن يكون لهذا الأمر أثر في أن يكون لدية حظوظ قوية في القبول ، لذا يجب أن تقوم بإبلاغ القسم بذلك من خلال المراسلة الإلكترونية على أقل تقدير.
أمر آخر في غاية الأهمية، يمكنك أيضاً إختيار دكتور -في القسم العلمي الذي تود الدراسة فيه- بدرجة "Associate" أو "Professor" ومراسلته لأجل أن تحظى بإشرافه ودعمه وهذا سيساعدك بكل تأكيد في القسم العلمي لما لهؤاء الأكاديميين من نفوذ داخل القسم وصلاحيات قبول ... لكن كيف يمكنك إختيار مشرفك ؟
 
"إنتبه" في إختيار مشرفك العلمي ..
        هب أن وفقك الله وقبلت في الجامعة أو أنك تريد مراسلة دكتور يساعدك في القبول، هناك ثلاثة معايير في غاية الأهمية لما لهذا الأمر من حساسية بالغة، إن أحد الأمور المفصلية في الدراسات العليا هو مشرفك العلمي، بإمكان هذا الشخص جعل الدراسة والبحث متعة وبإمكانه أيضاً جعلها طريق شاق ووعر .. فما هذه المعايير الثلاثة؟
1.      درجة المشرف الأكاديمية: يجب أن يحذر طالب الدراسات العليا من أعضاء هيئة التدريس الجدد وهم الذين على درجة أكاديمية "Assistant" ، لا شك بأن هناك منهم من هو ممتاز لكن في الغالب هؤلاء يفتقرون للخبرة البحثية، كما أنهم على عقد وظيفي مؤقت ومشروط بعدد معين من الكتب والأبحاث وغيرها، لذا جرت العادة أن مثل هؤلاء يقومون بإرهاق الطلبة بالكثير من الطلبات سواء بسبب قلة خبرتهم أو حاجتهم إستثمار جهود الطلبة بإسراف لأجل إتمام شروط الترقية. ومن المهم لفت الإنتباه الى أن العمل مع مثل هؤلاء يجل حياة الطالب الأكاديمية وخصوصا طلبة الدكتوراة معرضه للخطر وذلك بسبب عدم ضمان مستقبلهم الوظيفي، وليس من صالح الطالب أن يتم إقالة مشرفه وهو في منتصف البحث !! إلا أن هذا الأمر يختلف كليا عن أعضاء هيئة التدريس من درجة "Associate" فما فوق ، حيث أنهم وبكل تأكيد نجحوا في متطلبات الترقية الأكاديمية ولهم خبرة وهم وحدهم الذين يمتلكون عقود عمل دائمة "Tenures" مما يعطيهم الراحة النفسية نوعاً ما في العمل. وكما أن "Associate" هو الأكثر النشاطاً والذي قد يساعد الطالب في إتمام بحثة ودراسته بسرعة إلا أن الـ "Professor" أكثر خبرة وفهماً وأكثر نفوذاً في القسم العلمي.
2.      إهتمامات المشرف والنشر العلمي: من المهم الإطلاع على عنوان رسالة الدكتوراة للمشرف الأكاديمي وتخصص شهاداته من بكالريوس وماجستير ودكتوراة ، ومقارنة هذا الأمر مع طبيعة أبحاثة، هذا الأمر يعطيك إنطباع حول الخبرة التي يحظى بها هذا المشرف والإساس الذي تأسس عليه. بالإضافة الى ما سبق، من المهم معرفة عدد الأبحاث التي يقوم بنشرها سنوياً بحيث يكون إسمه هو الإسم الأخير في البحث "Last Author" والذي يدل على أنه كان هو صاحب الفكرة والمشرف على هذا البحث. وأن كلما زاد العدد كان هذا مؤشراً على نشاطة وذكاءة ومقدرته على البحث والإشراف، أما بخصوص العدد الذي يمكن على أساسه المقارنة والتحليل فإن عدد أبحاث زملائه في القسم أفضل مقياس.
3.      عدد الطلبة الذي يشرف عليهم: هذا الأمر في غالية الأهمية والذي يغفل عنه الكثير من الناس وأنا كنت واحد منهم، إن معرفة عدد الطلبة التي يقوم الدكتور بالإشراف عليهم يعطيك مؤشر قوي على مدى فعاليته، الدكتور الذي لدية طلبة كثيرين تم تخريجهم وطلبة حاليين تحت إشرافه يدل على قدرته المتميزة على الإشراف وخبرته في التعامل مع البحوث و الطلبة. يمكنك معرفة كل هذه المعلومات من خلال الصفحة الشخصية للدكتور أو من خلال مراسلته إلكترونياً.
من الممكن أن تختار مشرفك الأكاديمي أثناء التقديم على الجامعات من خلال مراستلته ومحاولة إثاراة إنتباهه، ومن الممكن أيضاً تأجيل الأمرالى البدأ في الدراسة أو حتى بعد سنة من الدراسة، المهم هو التريث كثيراً في هذا الأمر لما له من حساسية بالغة.
 
خاتمة ..
بالرغم من أن ملفي للتقديم على البعثات جيد جدا الى حدٍ ما سواء معدلي الجامعي أو حصولي على براءة إختراع محلية أو غيره ، إلا أنني واجهت عقبة كبير تمثلت في إختبارات اللغة الإنجليزية، لقد سقطت في 17 إمتحان إنجليزي سواء توفل أو ايلتز ، إلا أن مجموعة هذه التجارب الفاشلة كونت حجة قوية لدى الجامعة التي قُبلت فيها وهو أنني صاحب مواصلة وإصرار، بمعنى أن التجارب الفاشلة كونت تجربة ناجحة. قُبلت في جامعة تكساس أوستن أحد أفضل الجامعات على مستوى العالم وأتمت دراستي وحصلت على معدل إمتياز مع مرتبة الشرف في تخصص الهندسة الميكانيكية ، فلا يكون الفشل عائق لك، بل إجعل منه خطوة نحو النجاح.
حاولت الإختصار كثيرا واتمنى أن يكون مفيدا لكل من يرغب في إستكمال دراسته .. وبالتوفيق!
 
أخوكم طلال عيد العتيبي
 

السبت، 2 فبراير 2013

الميزان المائل .. من يعدله ؟

       كان الإمام جعفر الصادق -رضي الله عنه وهو من نسل سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه- عالماً فقيهاً في العلوم الشرعية كما قيل أنه كان من أول رواد علم الكيمياء ، تتلمذ على يده الإمامين أبو حنيفة ومالك إبن أنس في العلوم الشرعية، كما تتلمذ على يده أبو الكيمياء جابر بن حيان في العلوم الطبيعية، فقد كان إطلاعه واسع وعلمه غزير. أحدثكم وأنا لا زلت مدهش بأن هؤلاء العمالقة العِظام من مختلف العلوم تتلمذوا على يد هذا الإمام وبالأخص في علم الكيمياء الذي لم يكن يحظى بشعبية آنذلك ..
قالوا عن جابر بن حيان ..
     قال عنه الفيلسوف الإنكليزي فرانسيس بيكون: "إن جابر بن حيان هو أول من علم علم الكيمياء للعالم، فهو أبو الكيمياء" ، ويقول المستشرق الألماني ماكس مايرهوف: "يمكن إرجاع تطور الكيمياء في أوروبا إلى جابر ابن حيان بصورة مباشرة". وقال عنه آخر: "إن لجابر في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق".
أهمية العلوم الطبيعية في نظر علماء الشريعة ..
     لم يكن جعفر الصادق رضي الله عنه يصد طلبته عن دراسة العلوم الطبيعية (وهي علوم غير شرعية) ، بل إنه ولمعرفته بأهميتها وجه تلميذه جابر بن حيان رحمة الله الى علم الكيمياء وشجعه على ذلك حتى وصل تلميذه الى ما وصل إليه من عظم المكانه ، لقد ألف جابر بن حيان رحمه الله مِئات الكتب حيث تُرجمت الى لغات عدة، لقد كان له السبق في تطوير علم الكيمياء والصيدله الذي لازلنا ننعم بفضله.
تجربتي ..
     قبل تقديمي لجامعة الكويت ، أتاني من أصدقائي الفضلاء من حثني على التقديم على كلية الشريعة راجياً مني عدم التقديم على سواها مستنداً برأي شرعي يقول بأن فضل العلم المنصوص عليه بالقرآن والسنة محصور على طلب العلم الشرعي فقط وأن دراسة العلوم الطبيعية والتي هي من علوم الدنيا لا يُؤجر عليها إبن آدم ، إلا أنني لم أقاوم محبتي للرياضيات والفيزياء الأمر الذي دفعني الى تقديم طلبي على كلية الهندسة حيث تخصصت لاحقاً بتخصص الهندسة الميكانيكية. وبالرغم من إيماني التام بأن رأي إخوتي يمثل رأيا شرعياً أحترمه الا أنني على يقين تام بأن هناك رأي شرعي آخر يقول بأن فضل طلب العلم غير محصور بالعلم الشرعي لأن الواقع أيضاً يفرض ذاته.
نظرة في الواقع ..
      بالرغم من أنه لم يكن لعلم الكيمياء أثر كبير في حياة الناس إبان عصر سيدنا جعفر الصادق إلا أنه حث طالبه جابر بن حيان على هذا العلم ورعاه حتى صار عالماً جهبذاً، فإذا كان هذا أمر سلفنا وأجدادنا فكيف من المفترض أن يكون شأننا ونحن نعيش في عالم تلعب فيه التكنولوجيا دوراً رئيسياً وفي شتى المجالات، إني لأتسائل: هل هناك من علماء الشريعة وغيرهم مَن خصص مِن وقته وجهده لتحفيز بعض طلبته وتشجيعهم لدراسة الفيزياء مثلاً أو غيرها من العلوم التي تقود التكنولوجيا ، ألم يقل الله تعالى في محكم تنزيله: "وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة"؟ أليست أمريكا التي تمتلك أقوى جيش في العالم يعود ذلك بفضل ريادتها في التكنولوجيا. لا أتوقع أن هناك من الأخوة من قد يخالفني إذا بالغت وقلت بأن الدولة الأكثر ريادةً في التكنولوجيا أقربهم الى سيادة العالم، فإذا كان هذا الأمر صحيحاً أليس من الواجب الشرعي على كل ذي فضل وعلم أن يحوز هذا الأمر على إهتمام منه ليس كلاماً يُردد بل ممارسة نجد لها أثر في حياة أمتنا.
إقتراحات ..
     نتفق على أن العلم الشرعي مهم جداً ويؤجر صاحبه ، إلا أن دراسة العلوم الأخرى مهمه أيضاً ، لذا دعوني أتسائل: لماذا لم نسمع يوماً من خطيب الجمعة أن تحدث عن الخوارزمي مثلاً وفضله في علم الرياضيات؟ لماذا لم نسمع خطيباً يتحدث عن التكنولوجيا وأثرها في المجتمعات الإسلامية و حث الناس على تشجيع أبناءهم على التخصص في العلوم الطبيعية والإنسانية وإنعاشها في مجتمعاتنا ؟ لماذا لم نسمع يوماً بتخصيص حلقات ودروس في المساجد في مُذاكرة فضل هذه العلوم وتدارس سيّرعلماءها وأثر أعمالهم في حياة الشعوب. تلك بعض الإقتراحات .. فهل من مزيد ؟
أخوكم/ طلال عيد العتيبي