السبت، 10 أغسطس 2013

"سهيل" وأمه "مزنه" .. قصة حياه !

يمشي بخطواتٍ بطيئة على خشبة المسرح .. وقد ناهز السبعين عاماً من عمره .. يتجه نحو المنصة لإلقاء خطاب فوزه بجائزة نوبل ! ومع كل خطوه يمشيها .. يمر شريط الذكريات في ذهنه سريعاً .. ومع كل فلاش تصوير يسطع في عينه .. تمر منعطفات حياته أمامه بكل آلامها وآمالها ..

وقف "سهيّل" على المنصة .. "سهيّل" ذو الرأس الأبيض منحني الظهر .. "سهيّل" الذي تكاد أن تموت كل ملامحه إلا عيناه التي لا زالت تتوقد علماً وحكمة !

ينظر للآلاف من أمامه .. واقفين له إحتراماً .. وتصفيقهم وصراخهم يهز القاعة إبتهاجاً بصعوده المسرح .. يستغرب كيف لبداياته وحياته المليئه بالفوضى أن إنتهت به وهو في صفوف الخالدين .. إذ لم يكن في حياته إلا لغز واحد ..

لازال ذلك الحدث الأهم في حياته يدور حول والدته التي لازالت تعيش في خياله وصدى همسات حديثها لازال يتردد في أذنه .. تلك الأم التي لولا وجودها في حياته .. لكان في عداد المجهولين الضائعين في تفاصيل الحياة !

يتذكر عندما كان طالباً في المدرسة .. وكيف كانت هموم المدرسة ونظام البيت الصارم .. يخنق حريته .. وأمله الوحيد أن يجعل الله له من أمره فرجاً وأن يصبح ذلك الطالب الجامعي الذي يتحرك في مساحه واسعه !

يتذكر عندما تخرج من المدرسة وإبتهج بفراقها داخلاً رحاب الجامعة .. ولكن المفاجآت كانت بإنتظاره .. لقد أصبحت الحياة أعقد! .. المسؤوليات تعاظمت عليه وإنحسار الفرص الوظيفية أوقد همومه .. إنه لا ينفك أن يزداد هماً وغماً .. إنه في تلك الأيام الجامعية إستمر داعياً ربه أن يسهل الله عليه التخرج ويتوظف .. حتى تستقر حياته .. وتطمئن نفسه !

يتذكر "سهيّل" تلك الفرحة التي غمرت أجزاءه حينما تم قبوله في الوظيفة التي كان يطمح لها .. لقد تزوج بفتاة أحلامه ! أنجبت له الأطفال .. لكن المسؤوليات بدأت تحاصرة من كل حدب وصوب .. ومشاكل العمل تختلط بمشاكله الزوجية .. وخلافات إخوانه العائلية تفسد حلاوة الحياة التي كان يرسمها في أحلام يقظته ! وفي تلك اللحظات العصيبة من عمره .. لاحت له فكرة التقاعد الوظيفي .. وأن فيها الراحة من هموم الحياة والتفرغ للذات !

"مزنة" .. تلك المرأه التي لم تدرس الا قليلاً .. حبيسة العادات والتقاليد .. تلك الأم التي تراقب إبنها وهو ينفعل مع كل مشكلة تعترض طريقة .. تلك الأم التي آلمها حال إبنها الذي طغت صراعات العمل على باقي أجزاء حياته .. تلك الأم التي ترى في عيون إبنها الآلام وفي جسده الجراح التي أدمتها حياة المجتمع الفوضوي الذي يعيش فيه!

يتذكر "سهيّل" .. عندما ضاقت به الأرض بالرغم من بيته الواسع ..

لازال يتذكر سهيّل .. سنين بلا إستمتاع .. مرت من عمره بالرغم من رصيده المليوني ..

لا زال يتذكر .. كيف أن المنصب الذي حصل عليه لم يغير من الأمر شيئاً وأن تلك الصراعات التي خاضها لم تكن تستحق كل ذلك العناء ..

لكن تلك اللحظات التي دعمته أمه "مزنه" الى غرفتها وهي في آخر أيامها .. لحظات خالدة في حياته !!


تنبه فجأه الى صمت الجماهير أمامه .. والعيون كلها متجه نحوه .. حينها نسي ذلك الخطاب المعلب الذي أعده من قبل .. فقرر أن يخبر الجماهير بحديث أمه "مزنه" له:
بسم الله الرحمن الرحيم .. ذات ليلة دعتني أمي "مزنة" رحمها الله الى غرفتها وجسدها العليل متمدد على سريرها الطبي .. حدثتني والكلمات ترهق أنفاسها تقول: يا بني إني أراك في حال يرثى لها .. وجهك ذابل وأعصابك مشدوده .. يا بني إني أرى المشاكل تأكل فراغك وصحتك .. يا بني وقت مستهلك في تفاصيل الحياة المملة .. يا بني.. يا بني هل تعلم أن المشكلة فيك لا في من حولك !!! فقاطعتها عن غير قصد ودموعي تحبسها عزتي: يا أمي كيف هذا !!.. يا أمي إن من حولي هم من يثيرون المشاكل .. إنهم يتدخلون في خصوصياتي .. يا أمي المجتمع لا يقدرني .... فوضعت يدها الرقيقه الطاهره على فمي وهي تبتسم ... فسكت مجبراً !! فإستكملت حديثاً قاله: يا بني ما تمر به يمر به كل البشر وكلامك هذا مكرر .. فهل تتوقع أن العلماء والعظماء كانت حياتهم مثالية .. أم أن المجتمع كان يقدرهم ويحتفي بهم !! يا بني تلك أعذارٌ مستهلكه .. يا بني العلة فيك أنت لا في غيرك !! .. وفي جو من الصمت المتبادل تسلل الي إحساس بأن أمي لا تفهمي مما زاد جراحي جراحاً !! فأكملت حديثها وهي تنظر لأعلى ! يا بني إن الإنسان الذي يفهم الغاية من حياته .. سينشغل بالمسير نحوها عن تلك المشاكل التي تعترض طريقه .. فإدراك الغاية والوصول لها عنده أهم من التفاعل مع ملهيات الطريق .. يا بني إن الإنسان الذي لديه هدف واضح في حياته .. سينصرف الى تحقيقه عن توافه الأحداث التي تعج بمجتمعه الفوضوي .. يا بني إن الإنسان الذي يفهم أن حياته ليست إلا ثانية في عمر هذا الكون الفسيح .. سيعي تماماً أن الوقت الذي يضيعه في التفاعل مع المشكلات العائلية وتضخيمها وصراعات الأقران .. جريمة لا تغتفر .. فالحياة ليست إلا لحظة تستحق أن نستمتع بها ! يا بني إن الإنسان الذي لا غاية له .. كالمسافر الذي لا وجهة له .. والذي سيبقى فقي محيط المشاكل التي ستظل تتجاذبه من غير غاية تدرك .. يا بني إن الإنسان الذي لا يدرك عظمة ما لديه من مواهب .. سيأكله الحسد وهو لا يرى إلا ما لدى الآخرين .. يا بني إن الإنسان الذي شغله الشاغل الثأر من المسيئين والإنتقام من الأعداء لا وقت لديه ليبني مجداً .. يا بني إن الأحقاد لا تملئ إلا قلب رجل ليست حياته ذات أهمية للبشرية .. يا بني إن الإنشغال بتحقيق الأهداف وطلب الوصول للغايات سيجعل الإنسان وبشكل تلقائي يتجاهل كل تلك المشاكل والإساءات والشتائم التي يُرمى بها .. يا بني إن جمع المال ليس غاية والوصول للمنصب ليس هدف في حد ذاته .. يا بني إن الغاية التي لا تحاول من خلالها النهوض بمجتمعك غاية أنانية .. والهدف الذي من شأنه أن يجلب لك المنفعة من دون الناس هدف أناني .. وإن الأنانية مجلبة للقلق وبيئة لتكاثر الهموم ! يا بني توقف قليلا مع نفسك .. إسأل نفسك "ماهي الغاية من حياتي ؟" .. "كيف لي أن أجعل من أهدافي وغاياتي سبيلاً للنهوض بمجتمعي ؟" يا بني تلك الأسئلة هي أمهات الأسئلة ومفاتيح السعادة والهناء! وكما أن الحصول على الإجابة ليس بالأمر الهين فإن إدراكها منجاة ! .. فتوقفت عن الحديث ويبدوا عليها التعب والإعياء .. إلتفتت ونظرت في عيني بإبتسامه وقالت: تصبح على خير .. قبلت يدها .. فإنصرفت الى غرفتي ولم أستطع أن أنام ليلتي تلك .. وما أن أشرق الصباح .. حتى أسرعت الخطى اليها .. طرقت الباب عليها وفي داخلي ألف سؤال وسؤال .. ولكن ملك الموت سبقني لها! رحمك الله يا أمي رحمة واسعه !

 تلك الأحاديث والأسئلة رسمت حياة جديدة لسهيّل .. تلك العبارات البسيطة .. كانت سببا في فوزه بجائزة نوبل .. ليس ذلك فقط بل إن حياته إنقلبت رأساً على عقب ..
ولازال ملايين البشر وهم خلف الشاشات مِن مَن يُتابع خطاب "سهيّل" يتسائل: هل حياتنا شبيهه بحياة "سهيّل" قبيّل وفاة أمه .. وإذا كنا كذلك .. فلماذا لا تكون نهاياتنا كنهايته !

 
أخوكم / طلال عيد العتيبي

الجمعة، 19 يوليو 2013

كيف نعرف الأنظمة الباطلة ؟



إستكمالاً لما جاء في مقالي السابق "هل عقلك ديناميكي؟" ، الذي إطلعنا فيه على أمر مهم للغاية. ألا وهو أن ميزان الإتزان الكوني يقوم على كفتين: الأولى هي وجوب وجود القانون العام الذي ينظم كافة أفراد المجتمع والثانية هي وجوب وجود تعددية الخيارات الفردية.
نستطيع الخروج من البيت والذهاب الى الدوام من عدة طرق وهو خيار شخصي بحت يقوم على قناعاتنا (وهذا ما نعنيه بالخيارات الشخصية) ، لكن يجب أن نسير ضمن الشوارع والجسور العامة إذا ما أردنا الوصول من البيت لمكان العمل (وهذا ما نقصد بوجوب وجود النظام العام). إن القوانين الكونية لا تتحكم فينا بقدر ما تقوم به من تظيم حياتنا بشكل متزن وغير مضطرب. إن المشكلة التي نواجهها تكون حينما يتم بناء قانون سياسي أو إجتماعي أو إقتصادي بصورة تحرم الناس خياراتهم الشخصية وتفرض قيوداً على  حرياتهم.
إن وجود النظام العام من شأنه بعث الإتزان في المجتمع على أن يحافظ على قدر من الحريات والخيارات الشخصية التي من شأنها إطلاق إبداعات الناس وطاقاتهم. إن عدم وجود القوانين يبعث الإضطراب العام ، وفي المقابل عدم وجود الحريات الشخصية يقتل في الناس الروح الإيجابية والكبت يجهز لثورة ستنفجر لا محاله. لذا من المهم الموازنه بين الإثنين.
في مجتمعاتنا على وجه التحديد ، هناك إضطراب كبير في هذه المعادلة الكونية . فإما أن تكون هذه القوانين مختله وتفتح باب الخيارات الفردية بطريقة عشوائية خصوصا في النظام التعليمي. أو أن تكون القوانين تحكمية لا تنظيمية وهو نراه في مصادرة الحريات الشخصية بقوانين إجتماعية أو دينية أو سياسية أسرفت في التنظيم الداخلي بشكل تصادم فيه الغاية من بناء الكون ألا وهو الإتزان العام.
إن بعض العادات والتقاليد التي يقبع في قيودها المجتمع العربي هي قوانين إجتماعية مضطربة تقيد الحريات ولا تنظمها. إن النظام السياسي الذي يحرم المواطن العربي حقة في الإختيار ويتعامل معه بطريقة جبرية هو قانون سياسي مضطرب لا يتفق مع النواميس الكونية. إن المذهب الديني الذي يبني قوانين دينية من شأنها أن تحمي الظالم وتصادر حق الأفراد في التعبير بسلمية عن رفضهم الحاكم الفلاني هو مذهب باطل ومرفوض كونياً، إن المذهب الفكري الذي لا يستند الى منهج منظم في الإستنباط والبحث ويترك لأتباعه حرية الإختيار المطلقة هو مذهب فكري فوضوي لا يبني حضارة. عزيزي القارئ كل هذه قوانين السابق ذكرها باطله عقلياً ولا تستند الى أي منطق ، وعمرها الإفتراضي قصير.
إن مسؤولية الجماعات الفكرية ومؤسسات المجتمع المدني والتيارات السياسية ، هو وجوب إعادة النظر في أساس تكوين مجتمعاتها إجتماعيا وسياسيا ودينيا ، ورفض كل قانون يحرم الأخرين حرياتهم ، وإعادة بناء نظاما عاما متزنا في شتى المجالات يمارس من خلاله الأفراد متسعاً من الحرية المنظمة.
طلال عيد العتيبي

الأحد، 14 يوليو 2013

هل عقلك ديناميكي ؟


   قد يعتقد الشخص أنه مخيّر في كل أمور دنياه بينما يؤمن بأن هذا الكون بما فيه يسير وفق قوانين محددة. إن التفكير بجدية في هذا الأمر من شأنه أن يبعث الشك في نفس الإنسان وقد يدفعه الى إعتناق فكرة "ما أنا الا كائن مسيّر" وكل ما يمكنني القيام به هو البقاء كالحجرة في فلك هذه القوانين الكونية. لذا يقول لنفسه: لماذا أتعب نفسي في التخطيط و ما إلى نحو ذلك!

الحقيقة:
   لنطرح مثالاً بسيطاً، بينما تجلس في مكتبك أو مع أهلك، فإن بإستطاعتك أن تضع فنجان القهوة في الموقع الذي تريده على الطاولة التي أمامك، لكن ليس في وسعك بينما أنت ثابت في مكانك أن يمتد إصبعك كالخيط المطاط ليذهب بعيداً ويطفئ زر إنارة الغرفة. بإستطاعتك أن تختار أي طريق تذهب بها الى سطح منزلك سواء من السلم الداخلي أو المصعد لكن ليس بإستطاعتك أن تخرتق السقف بجسدك لتذهب لأعلى. من هذه الأمثلة البسيطة جداً نعلم أن لنا الحرية في الإختيار لكن ضمن حدود قوانين محدده. إن إمتداد إصبك كالخيط المطاط وإختراق جسدك للسقف يتصادم مع القوانين الفيزيائية. لكن هذا القوانين الكونية لم توجد لأجل أن تحرمنا حريتنا بل لأجل ضبط النظام والإتزان العام في الكون وعلى أن تكون خياراتنا التي نتخذها ضمن هذا القانون المتزن الذي ينظم الكون بأكمله.

الفيزياء وعلم النفس:
   ليس لدي أدنى شك بأن العالم بأدق تفاصيله تحكمه القوانين ويسير في وضع مستقر. وكما أن هناك قوانين فيزيائية تحكم المادة وسلوكها ، فإن هناك أيضاً ما يحكم السلوك الفردي والإجتماعيز وإنا حينما نتحدث عن حريتنا في حياتنا فنحن نتحدث عن الجانبين الفيزيائي (مادي) والنفسي (روحي). بمعنى أنك لن تستطيع المشي 100 كم في الصحراء من دون ماء لكن بتوفر الماء يمكنك ذلك. لن تستطيع أن تكون عالماً من دون الدراسة لكن بالدراسة والإطلاع يمكنك أن تكون عالماَ. لن تنافس أهل رؤوس الأموال الضخمة في السوق وأنت تاجر صغير لكن تستطيع أن تزيد من تجارتك حتى تصبح على قدر المنافسه. إن خسارتك في سباق لم تؤهل له نفسك ليس فشلاً بقدر ماهو خطأ إستراتيجي قمت به بسبب عصيانك إتباع القوانين الكونيه. إن من حسن حظنا أنها لا تحابي أحداً بل تنطبق على كل البشر.

العقل الديناميكي:
   كل ما يستطيعه الإنسان هو توسيع دائرة الخيارات لدية بما يزيد من حريته، إن فهم القوانين الكونية سواء الفيزيائية أو الإجتماعية وتحقيق متطلباتها يفتح للإنسان باب الخيارات على أوسع أبوابه. إن الإنسان حينما يسير ضمن هذه القوانين ويرتقي بقدراته يزيد من دائرة حريته. خياراتك وأنت تمتلك مئة ألف دينار ليست كخياراتك وأنت تمتلك مليون دينار. خياراتك وأنت تمتلك شهادة ثانوية عامة ليست كخياراتك وأنت تمتلك شهادة دكتوراة. إن العقل الديناميكي هو العقل الذي يسعى جاهداً الى دفع الإنسان الى تطوير ذاته بإستمرار من خلال السير ضمن حدود القوانين الكونية و توسيع الخيارات بما يضمن تمدداً مستمراً للحرية. إن العقل الديناميكي مرن جداً ويفهم أن التصادم مع القوانين يحرم الإنسان خيارات كثيره ويحد من حريته. عزيزي القارئ إلتفت حولك وقد تجد بعض الناس الذين دائما ما يتذمرون من الفشل ويزعمون بأن حظهم سيء بينما إذا دققت في ممارساتهم لوجدتها في صدام دائم مع القوانين الكونية.

خلاصة:
   نحن لنا كامل الحرية في تحديد خياراتنا لكن ضمن نظام متزن يحكم العالم. نحن محظوظون بهذا القوانين التي تنظم السلوك المادي والإنساني بما يضمن الإتزان الكوني. إن فهم الإتساق العام بين حريتنا وبين هذه القوانين يجعل الإنسان أكثر مرونة في تخطيط حياته وتقبل واقعه.

* تنويه: سأفرد مقال آخر عن أنواع القوانين، لأن بعضها من نسج  خيال المجتمع والتي من الممكن أن تقيد من حريتنا بغير وجه حق !! فإنتظرونا !!

أخوكم/ طلال عيد العتيبي.
@4TalalBlog

الاثنين، 25 مارس 2013

النانوتكنولوجي


في الدراسة الجامعية ، كنت أقضي معظم الوقت في دراسة وتطبيق قوانين نيوتن ودورها في مختلف أنواع التكنولوجيا المتعلقة بالميكانيكا، إلا أن الصدام المعرفي الشديد تعرضت له وأن طالب ماجستير في أمريكا حينما إنتقلت من نيوتن والتكنولوجيا الى ميكانيكا الكم والنانوتكنولوجي .. كيف حصل هذا وما الفرق بينهما ؟ 

العلم والهندسة والتكنولوجيا:
ليس من السهل التفريق بين هذا الثلاثي الذي يغذي بعضه البعض الآخر، إلا أنه من الضروري التطرق لكل واحدٍ منهم على حده. فالعلم عبارة عن مشروع منهجي يهدف لبناء معرفة تم إختبار صحتها أو على الأقل توقعات مبنية على أسس عقلية مسببه حول مختلف الظواهر الكونية، يدخل في هذا التعريف جميع أنواع العلوم الطبيعية منها والإجتماعية. وأما الهندسة فهي تطبيق ذا هدف محدد يستخدم مختلف أنواع العلوم لأجل تصميم وبناء مختلف أنواع الأجهزة والأنظمة والتي تخرج على هيئة تقنية (تكنولوجيا). وأخيراً فإن التكنولوجيا "التقنية" ما هي إلا نتيجة ملموسه للعلم والهندسة والتي تظهر على صورة أجهزة أو أنظمة من شأنها تلبية رغبة محددة أو حل مشكلة معينة والتي بإثرها يتطور كل من العلم والهندسة.
مثال على هذا الثلاثي يتجلى في ما قدمه علم البصريات من خلال مساعدته للمهندسين لأجل تطور التلسكوبات والمناظير التي إستطاع بسببها كل من كوبرنيكوس وكبلر وجاليليوا ونيوتن إكتشاف قوانين الحركة والتجاذب الكوني ، وهذا العلم (قوانين نيوتن للحركة والتجاذب الكوني) ساعد في إحداث ثورة هندسية ساهمت بإطلاق الأقمار الصناعية التي أحدثت بإثرها ثورات أخرى. فهو ثلاثي لا ينفصل عن بعضه البعض. 

التكنولوجيا والنانوتكنولوجي:
إن التكنولوجيا مرتبطة إرتباط وثيق بمجال الهندسة والعلم المبنية عليها، فإذا ما تحدثنا عن نيوتن وقوانينه المبنية على الأطوال والسرعات التي يدركها بصر الإنسان فإننا نتحدث عن التكنولوجيا بمفهومها المتعارف عليها ، السيارات والطيارات وكل تقنية ذات أطوال وسرعات متوسطة. أما حينما نحاول الوصول الى فهم سلوك الأجسام الذرية (النواة والإلكترون والذرة عموماً) والتي لا يدرك حركتها ولا أطوالها بصر الإنسان فإننا نقف على أعتاب أبواب النانوتكنولوجي، وهنا لا محل لنيوتن ولا لقوانينه، هنا السيطرة شبة كامله لفيزياء ميكانيكا الكم.
إن كلمة "نانو" التي تأتي في مقدمة كلمة "النانوتكنولوجي" مشتقه من كلمة إغريقية تعني "القزم"، فنجد هذه الكلمة تأتي تباعاً إبتداءا من علم النانو الى هندسة النانو الى النانوتكنولوجي (تكنولوجيا النانو). والمعنى العلمي لهذه الكلمة يتعلق بالقياس، فما النانو إلا وحدة قياس ومثال على ذلك (متر واحد يحتوي على ألف مليون نانو متر). 

تخيل معي النانوتكنولوجي:
حينما نتكلم عن هذه الوحدة الصغيره فنحن نتكلم عن الأبعاد الأربعة. الأبعاد الثلاثة الأولى هي: الطول والعرض والإرتفاع بالإضافة للبعد الرابع: الزمن. أما بخصوص الأطوال الثلاثة فتخيل معي الفرق بين النانومتر والمتر العادي الذي نستطيع رؤيته وكأنه الفرق بين حجم هاتفك وبين حجم الكرة الأرضية التي تقبع عليها ، كيف يمكن لك وأنت تقف على سطح كوكب آخر أن تشاهد بعينك المجردة فنجان من القهوة بيد صديقك المسترخي ذات الصباح في حديقته وهو على كوكب الأرض، هل تخيلت كم هذه الوحدة صغيره جداً جداً. هذا ونحن لم نتحدث بعد عن البعد الرابع وهو الذي يشكل تحدياً كبيراً في علم النانو ألا وهو الزمن. إذا كان لديك إحساس بمدى صغر الثانية، فهل تستطيع تخيل صغر النانوثانية ، تخيلت فقط أن يتم تقسيم هذه الثانية الى ألف مليون جزء من الثانية، إن صغر هذا الجزء (ألا وهو النانوثانية) مقارنةً بالثانية هو أقرب الى صغر زمن دقيقة واحدة مقانةً بزمن ألفيّ عام !!! هل تخيلت كيف يكون هذا أقرب للجنون منه للحقيقه؟ لكن ومعا الأسف فإن الكثير من العمليات الميكانيكية والكهربائية في جسم الإنسان تتم في مدة لا تتجاوز هذا الجزء الإستثنائي الصغير. فإذا ما فكرت بالعقلية النانونية فإنه بمجرد أن ترمش عينك أخي الكريم فإن هناك الملايين والملايين من الأحداث المهمة تمت في جسمك وأنتهت منذ زمن بعيد جداً !!! 

قصتي مع النانوتكنولوجي:
بعد حصولي على بعثة دراسية ذهبت لدراسة الماجستير في الهندسة الميكانيكية وتم قبولي في جامعة تكساس – أوستن - أمريكا. حيث تخصصت لاحقاً في أحدى فروع الميكانيكا التطبيقية وهي النانوميكانيك. كان هذا التخصص يُعد بمثابة قفزة بعيدة جداً عن الوضع الذي كنت فيه. كانت حياتي الدراسية فب البكالريوس أقرب الى قوانين نيوتن البسيطة الجميله وتطبيقاتها السهله في الإدراك والفهم، إلا أنني وبعد البداية في بحث رسالة الماجستير في ميكانيكا الخلايا السرطانية في جسم الإنسان، لم تعد قوانين نيوتن قابل للتطبيق، وبدأ وكأني أتخبط في ميكانيكا الكم الغامضة والتي تحتوي على ملايين المعادلات الرياضية ذات المتغيرات المليونية، وإستبدلت معادلات نيوتن التي لا تتجاوز ربما عدد أصابع اليد بعدد ضخم جداً لا تدرك حساباته إلا حواسيب قليلة ذات السرعات الإستثنائية، تعلمت أنه في النانوتكنولوجي يقل بشكل حاد قدرتك على التوقع والإستشراف ويعتمد عقلك بشكل أكبر على نتائج الحواسيب (كمبيوترات) التي بعضها غير قابل للتفسير!! إن النانوتكنولوجي عالم غريب محبط إلا لمن فهم طبيعته الغريبة!! 

النهضة العلمية ... من أين وإلى أين؟
لا أريد ان أتحدث هنا عن النانوتكنولوجي وأبوابة ومجالاته والمعوقات التي لازالت تشكل مانعاً أساسياً في تطورة بالشكل المطلوب، ولا أريد التباكي على دورنا الغائب فيه ، فنحن بالكاد نسمع عنه بين الحينةِ والآخرى، في حين أن أول بدايات النانوتكنولوجي ترجع الى عام 1959 !! ، لكن إريد أن ألفت الإنتباه الى أن الحديث عن النهضة العلمية يجب أن يستوفي أبعادها الثلاثة (العلم-الهندسة-التكنولوجيا) والتركيز على أحدهم وإهمال الآخرين جعل غالبية المحاولات في الوطن العربي تبوء بالفشل الذريع. إن النهضة العلمية بحاجة الى حوار علمي يتكاتف فيه مختلف أهل الإختصاص ويتطلب مجهوداً على أرض الواقع تدعمه كافة مؤسسات المجتمع المدني، وأن الجهود الأحادية من البعض لن يكون لها أثر في ظل هيمنة النظام المؤسسي على العالم! 

أخوكم/ طلال عيد العتيبي

السبت، 9 مارس 2013

كتاب "فنجان من التخطيط" .. وشهادتي المجروحة !


لازلت أشتم عبق ذكريات الماضي الجميل يوم أن كنا نحتسي فنجاناً من القهوة على ضفاف مناقشة أفكار كتابه الذي نشره فيما بعد تحت إسم "فنجان من التخطيط" ومنذ ذلك الحين وأنا أمتنع عن كتابة مقال بحقه خوفاً من كلمة "شهادتك مجروحة" ، ولكن ليس بعد الآن !!

ماذا قالوا .. ؟!
"شربت اليوم (فنجاناً من التخطيط) من يد الصديق المهندس عبدالله عيد العتيبي .. بس كان حلاه زايد! كتاب فذٌ في بابه" هذا ما قاله د. سلمان العودة ، إختاره د. محمد العوضي من ضمن (كتب في الصميم) في برنامجه الأسبوعي بيني وبينك على قناة الراي بإعتباره من الكتب الأكثر قيمةً وتأثيراً، أفرد المؤرخ والأديب الكبير أ. مهنا حمد المهنا مقالاً في جريدة القبس بعنوان (نظرات في كتاب فنجان من التخطيط)، قائلاً في الكتاب ومؤلفه: " أتى من قرأ وفهم، فجعل فهمه لما قرأ وسيلة إلى مخالطة تلك الأفكار نبضات قلبه وسريان دمه في العروق فأضفى على ما قرأ روحه المفردة المستقلة القادرة على القبول والرد والموافقة والرفض فما سلم بما ورد عليه من كلمات منمقة، ولم يتقبل تلك الجمل المزوقة، فكان جوهره العقلي المستقل هو الحارس الأمين لمعتقداته وهو الجندي المخلص لنبذ الشوائب والعوالق .. هذا أقل ما يوصف به عبدالله عيد العتيبي"، وفي مقالٍ آخر كتب عنه موجة الفلسفة والأديب أ. باسل الزير: " وقد أفرغ عليه أبوعيد شآبيب عبقريته وبراعة أسلوبه".
كتب يثني عليه كل من د. عمار الحسيني - الاستاذ الاكاديمي بجامعة الكويت و رئيس المكتب الثقافي بسفارة الكويت في استراليا والمهندس طلال القحطاني رئيس جمعية المهندسين سابقاً ود. ساجد العبدلي طبيب و محاضر وكاتب في التنمية البشرية و الشاعر الكبير زيد بن غيام و أ. علي السند - إعلامي وباحث دكتوراة في الشريعة الاسلامية والمؤلف في التنمية البشرية أ. عبدالله العثمان  ود. عبداللطيف الصريخ - مستشار ومحاضر في التنمية البشرية وغيرهم كثيرون لا يسعني ذكر أسماءهم ، ولكن وبعد كل هذه الأسماء مختلفة التوجهات والمشارب والتخصصات .. ماذا عساني أن أقول ؟

 قلت .. بعدما قالوا !
مجيباً على السؤال الأصعب والذي قد يبدوا سهلاً "من أنا؟" يبدأ الكاتب رحلة إكتشاف الذات وهي أول وأهم محطة في رحلة التخطيط الشخصي، يمر بك بعد ذلك الى المكان الأكثر فوضويه عند البشر ألا وهي منظومة القيّم والمبادئ، إن الواقع المؤلم لبعض الناس وتجاربهم الحياتية القاسية التي تصطدم بهذه المنظومة غالباً ما تحدث خللاً من شأنه أن يكون مصدر إزعاج مدمن لهم وهي مداعةٌ لأن يكون الأنسان أسير ردود الأفعال حتى تنتهي حياته بلا ثمرة، ولكن الكتاب هنا يتناول هذا الأمر على نحو مذهل وسلس من شأنه أن يجعل حياتنا أكثر إتزاناً وإنتاجيه. إن اللحظة التي تكتمل معرفتك بحقيقة نفسك ومنظومة قيّمك ومبادئك هي ذاتها اللحظة التي ستكون عندها أكثر قدرةً على إستيعاب مسارات حياتك، فتارة تعيش بقلب أب حنون حينما تداعب أطفالك، وتارة ذلك الإبن البار الذي يقبل قدميّ أمه وأبيه ، أوعندما تكون في حضرة زوجتك تصبح ذلك العاشق المغرم الذي لا تنفك عيناه وقلبه من مداعبة عيناها وقلبها، أو أن تكون ذلك الرجل العملي الجاد حينما يتعلق الموضوع بعملك، إن إستيعاب ضرورة أن تكون ناجحاً في كل هذه الأدوار في حياتك ستجعلك وبشكل تلقائي تتقدم خطوة مهمة في مشوار حياتك من خلال تحديد رؤيتك ورسالتك في الحياة، إن هذا الأمر أشبه بالبوصلة التي تحدد الإتجاه الصحيح نحو تحقيق طموحاتك.
بعد كل ما سبق من خطوات فنحن لا زلنا نعد العدة للإنطلاق نحو الوجهة، في حين أن بين نهاية وجهتك التي حددتها وبين وضعك الحالي مسافة طويلة تحتاج الى تخطيط ، وكلما كنت أكثر فعالية في التخطيط كانت رحلتك أكثر متعة وأمناً. لكن هب أنك خططت رحلتك هذه على نحو دقيق ومحكم وإنطلقت فإن الواقع حينها سيفرض قوته كعادته إذ ليس في وسعك حينها الا السعي والصبر والمواصله و إعادة التخطيط لأجل الإترقاء بخطتك والإلتفاف حول تلك المعوقات التي ستضل تخرج لك على الدوام من كل حدبٍ وصوب.
كانت هذه نبذه بسيطة عن قصة التخطيط الشخصي يرويها بشكل فذ أخي الوالد م. عبدالله عيد العتيبي وهي نتاج إطلاعة الواسع على أمهات الكتب في التخطيط وتنمية الذات والذي جعلها تحت محك الممارسة من خلال خبرته الطويله كرئيس لفريق التخطيط بشركة نفط الكويت. خرج هذا الكتاب حاملاً معه تجارب فريدة مُطعم بقصص الناجحين وحكمة الخالدين.

 سر عنوان الكتاب !
إن كان فنجاناً من القهوة كفيلاً بصحصحت مزاج شاربها، فإن فنجاناً من التخطيط سيصحصح حياة قارئها ويجعلها أكثر فاعلية، تلك الفكرة من تلك ، فهنيئاً لمن إحتساً فنجاناً من التخطيط ... أو كما قال الشيخ د. سلمان العودة !

 

أخوكم/ طلال عيد العتيبي 

الخميس، 7 فبراير 2013

الدليل المختصر للراغبين في التقديم على الدراسات العليا

 
كيف تقدم على الجامعات؟ كيف تحدد الجامعة الأفضل بالنسبة لك ولتخصصك؟ كيف تتعرف على متطلبات القبول وكيف تستكملها؟ ما هي الوسائل الأفضل التي تساعدك في الحصول على القبول الأكاديمي؟ ما هي المعايير التي من خلالها تستطيع أن تحدد المشرف الأفضل لك في الدراسات العليا؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تجد لها أجوبة شافية مستنبطة من تجاربي وتجارب زملائي، وكم أتمنى أن يكون هذا المقال بمثابة دليل مختصر لكل إنسان يرغب في إستكمال الدراسات العليا ..
 
تمهيد ..
كم من الممتع والجميل أن تستمر في تعليم نفسك، سواء كان هذا على المستوى الثقافي من خلال القراءة والإطلاع والتدريب أو على المستوى الأكاديمي من خلال دراسة الماجستير والدكتوراة، أستطيع أن أجزم من خلال خبرتي إن الصعوبة لا تكمن أبداً في دراسة الماجستير أو الدكتوراة بحد ذاتها إنما المشكلة والعقبة الأكبر تكمن في "كيف أبدأ" و "كيف أقدم على الجامعة" وتستمر معاناة الشخص الذي ليس له خبرة ولا علم بالموضوع حتى يتم حصوله على القبول الأكاديمي إن قدر الله له ذلك ، إلا أن معرفة نقطة الإنطلاقة وكيفية البدأ وإستيعاب جميع المراحل في هذا الموضوع يهون كثيرا من هذه الصعوبة ويجعلها مجرد مهمة لتنفيذ خطة واضحة، ونحن في هذا المقال سنتعرف على نقطة الإنطلاقة وجميع المراحل الاحقة لها حتى الحصول على القبول الأكاديمي وبدأ الدراسة والذي آمل أن يساهم كثيراً في تذليل الصعوبات أمام الراغبين في إستكمال دراستهم ..
 
نقطة الإنطلاقة "كيف أبدأ؟" ..
بإفتراض أنك على علم تام بماهية تخصصك الذي ترغب في إستكمال الدراسة فيه، فإن أول خطوة تأتي بعده هي "في أي جامعة سأدرس؟" وهناك ثلاثة معايير تحدد إجابتك على هذا السؤال:
1.      وجود التخصص في الجامعة وتوفر المواد اللازمة لإتمام دراسته ومجالات أبحاث أعضاء هيئة التدريس.
2.      مدى صعوبة وسهولة متطلبات وشروط القبول في الجامعة والقسم العلمي والفترات الزمنية المسموح بها للتقديم.
3.      مستوى وظروف مدينة الجامعة المراد الدراسة فيها: طقس وأمن والغلاء والخدمات المتوفرة.
والسؤال هنا يكمن في "كيف أتعرف بشكل أوضح على هذه المعايير حتى أستطيع أن أختار الجامعة الأفضل لي؟" ، وسنجيب على هذا السؤال بشكل مختصر ومفيد.
المعيار الأول: ملائمة تخصصك
هناك مواقع مشهورة ومعتمدة في كل دولة تقوم بترتيب الجامعات على حسب تخصصاتها العلمية، وإذا ما أخذنا الولايات المتحدة الأمريكية كمثال، فإن موقع (www.usnews.com/) هو الموقع الأفضل للتعرف على جميع الجامعات الأمريكية في تخصصك، حيث يمكنك الذهاب الى ترتيب الجامعات تحت "Rankings" (http://www.usnews.com/rankings) وهنا ستجد مرادك ، فما عليك الا تحديد تخصصك كـ "Mechanical Engineering" مثلا ومشاهدة قائمة أفضل الجامعات في هذا التخصص، سيتطلب منك أحيانا دفع مبلغ رمزي للإطلاع على القائمة.
بإستطاعتك الدخول على الموقع الإلكتروني الخاص بكل جامعة من خلال القائمة السابق ذكرها، ومن خلال موقع الجامعة الإلكتروني يمكنك الذهاب الى الموقع الخاص بالقسم العلمي للإطلاع على التخصصات الدقيقة التي يقدمها القسم العلمي لطلبة الدراسات العليا "Graduate Students"  وبإمكانك بجانب الإطلاع على قامة المواد التي يتم تدريسها "Course Lists" أيضا الإطلاع على الإهتمامات البحثية "Research Interests" لأعضاء هيئة التدريس "Faculty members" التي قد تلائم إهتماماتك.
المعيار الثاني: شروط القبول
أهم المعايير بوجهت نظري هو هذا المعيار، فلكل جامعة شروط للقبول وقد تكون للقسم العلمي أيضا شروط أخرى وهذا أمر متفاوت بين الجامعات، ولا يعني مدى صعوبة الجامعة أن شروط القبول لديها صعبة، لكن من المهم أن نقوم بالإطلاع على هذه الشروط والذي سنجدها غالباً تحت مسمى "Graduate Admission Requirements" وهي في الغالب تدور حول أربع شروط:
1.      الحد الأدنى للمعدل الجامعي للبكالريوس وفي الغالب يكون 3 من سلم الـ 4 نقاط.
2.      إختبار إنجليزي توفل أو أليتز لغير الدارسين في مدارس إنجليزية، حيث تطلب كل جامعة رقم معين كحد أدنى. يمكنك الإطلاع على ماهية هذه الإختبارات والتسجيل بها من خلال موقعهم: التوفل (www.ets.org/toefl/) الأيلتز (www.ielts.org/) وعلى الغالب فإن الجامعات تطلب إحدى هذين الإختبارين، بالرغم من أنه أمر تقديري إلا أنه ومن خلال تجربتي فإني أستطيع أن أجزم بأن إختبار الأيلتز هو الأسهل.
أريد أن أنوه الى هذا الشرط والذي يليه (الشرط الثالث) لا يُشرط إتمامه مع طلب التقديم لكن يجب أن يتم تقديمه قبل بت الجامعة في طلبات القبول وهو الوقت الذي تحدد كل جامعة ويمكنك معرفة الوقت سواء بالمراسلة أو إعلاناتهم.
3.      إختبار GRE  أو GMAT وهما إختبار يحتوى على شق رياضي وشق إنجليزي. لطلبة الهندسة عموما يتم طلب إختبار GRE وطلبة العلوم الإدارية GMAT. ويمكن الإطلاع على ماهية هذه الإختبارات والتسجيل فيها من خلال مواقعهم الإلكترونية: للـ GRE (https://www.ets.org/gre/) و للـ GMAT (www.mba.com/). وهذه الإختبارات قد لا تطلبها بعض الجامعات بتاتاً أوقد تتجاوز بعضها الآخر هذا الشرط حتى وأن تم الإعلان عنه كشرط للقبول.
4.      يتم طلب مرفقات بسيطة كالشهادة الجامعية "transcript" وطلب التقديم "Application" ورسومه و كتابة ورقة تسوق فيها نفسك "Statement of Purpose" ولكيفية كتابة هذه الورقة هناك الكثير من المواقع تساعدك في ذلك كأن تقدم لك نماذج مقترحه والإرشادات التي تحسن من جودة الكتابة (www.statementofpurpose.com/).
بالإضافة لما تقدم فإن لكل جامعة فترات زمنية محدده للتقديم خاص بكل فصل دراسي تحت مسمى "Application Deadline". لذلك ومع إطلاعك على كل ما سبق ذكره تستطيع موازنة الأمر وتحديد إختياراتك بما لا يقل عن 10 جامعات حتى يتم تقييمها من خلال تطبيق المعيار اللاحق عليها والذي يدور حول ظروف المدينة ومستواها المعيشي.
المعيار الثالث: مستوى المدينة
من المهم أيضا معرفة مستوى الدينة ونختصرة في أربعة أمور فقط:
1.      مدى رخص أو غلاء المعيشة والإيجار والمواصلات التي تتواجد في الجامعة المراد التقديم عليها ويمكنك معرفة ذلك من خلال مواقع عدة ، في أمريكا على سبيل المثال يمكنك معرفة مستوى الإيجارات في المنطقة المراد الدراسة فيها من خلال معرفة zip code الخاص بالجامعه وإستخدامة في موقع (http://www.apartments.com/).
2.      الأمن والأمان الذي تنعم به المدينة وهذا له بالغ الأثر على النفسية خلال الدراسة خصوصا للأفراد الذين يصطحبون معهم عائلاتهم. ولا شك أن هناك الكثير من المواقع الألكترونية التي تقيّم مستوى المدينة أمنياً.
3.      الخدمات التي تنعم بها المدينة من مدارس للأطفال وأماكن ترفيه. بينما الأماكن الترفيهية القليلة تجعل من المدينة مكاناً موحشاً إلا أن المدينة ذات الأماكن الترفيهية الكثيرة تلهي كثيراً عن الدراسة ، فالإعتدال والوسطية أفضل.
4.      الطقس مهم جداً ، فهناك مناطق باردة جداً تصل فيها درجة الحرارة الى 20 تحت الصفر شتاءا كالولايات الشمالية ، وهناك مناطق رطبة جداُ كولاية فلوريدا ، وهناك أيضا مناطق حارة كولاية تكساس وأريزونا. وهناك ولايات معتدلة الجو كولاية كاليفورنيا. لذا من المهم الإطلاع والتعرف على طقس المدينة.
بعد معرفة مستوى المدن الذي تتواجد فيها الجامعات يمكنك الآن أن تحدد خمس جامعات على أقل تقدير للتقديم عليها. ولأن كلما زاد عدد الجامعات التي تقدم عليها زادت فرصة حصولك على قبول أكاديمي. والجدير بالذكر أنه يمكنك التقديم على الجامعات من خلال كلمة "Apply" والمتواجده في كل موقع جامعي حيث يمكنك بعدها إرسال المتطلبات من خلال مراكز البريد كـ Aramex أو DHL وأنا شخصياً أستخدم الأول لأنه الأرخص والأفضل.
 
الإستعداد والمتابعة "الخطوة الأهم" ..
من المهم الإستعداد جيداً حتى يتمكن الطالب من إتمام متطلبات القبول من توفل وغيره والذي يقوم العديد من المختصين على تقديم دورات مفيدة تساعد الطالب كثيراً ، إن المحاولة والإصرار من أهم عوامل النجاح، لا تيأس من سقوطتك في الإمتحان الأول أو حتى العاشر ، فبكل تأكيد ستتجاوزها بفضل الله ثم بعزيمتك.
تقديمك لملف القبول هو الخطوة الأولى فقط ، وبالرغم من الأهمية القصوى لهذه النقطة إلا أن متابعة ملفك مع القسم العلمي هو مربط الفرس، إن أغلب الجامعات يكون فرص القبول فيها للطلبة الذين يراسلون مشرف طلبة الدراسات العليا في الكلية أو القسم العلمي، حيث يتمكن الطالب من إثارة إنتباه الجامعة للإطلاع على ملفه وحتى لا يُبخس حقه بين آلاف طلبات التقديم.
وأنا هنا ليس لدي أدنى شك بأن العامل المالي مهم جداً بالنسبه للجامعات، ولأن غالبية طلبة الدراسات العليا في أمريكا خصوصاً يدرسون على حساب أعضاء هيئة التدريس في القسم العلمي كإستثمار وتجارة، فإذا علم القسم والكلية بأنك ترغب في الدراسة على حسابك أو مدعوم مالياً سيوفر ذلك عليهم عناء البحث عن طالب لأجل تبنيه مالياً.، بمعنى إن كنت حاصل على بعثة دراسية من جهة حكومية أو غيرها أو تدرس على حسابك الخاص ، يمكن أن يكون لهذا الأمر أثر في أن يكون لدية حظوظ قوية في القبول ، لذا يجب أن تقوم بإبلاغ القسم بذلك من خلال المراسلة الإلكترونية على أقل تقدير.
أمر آخر في غاية الأهمية، يمكنك أيضاً إختيار دكتور -في القسم العلمي الذي تود الدراسة فيه- بدرجة "Associate" أو "Professor" ومراسلته لأجل أن تحظى بإشرافه ودعمه وهذا سيساعدك بكل تأكيد في القسم العلمي لما لهؤاء الأكاديميين من نفوذ داخل القسم وصلاحيات قبول ... لكن كيف يمكنك إختيار مشرفك ؟
 
"إنتبه" في إختيار مشرفك العلمي ..
        هب أن وفقك الله وقبلت في الجامعة أو أنك تريد مراسلة دكتور يساعدك في القبول، هناك ثلاثة معايير في غاية الأهمية لما لهذا الأمر من حساسية بالغة، إن أحد الأمور المفصلية في الدراسات العليا هو مشرفك العلمي، بإمكان هذا الشخص جعل الدراسة والبحث متعة وبإمكانه أيضاً جعلها طريق شاق ووعر .. فما هذه المعايير الثلاثة؟
1.      درجة المشرف الأكاديمية: يجب أن يحذر طالب الدراسات العليا من أعضاء هيئة التدريس الجدد وهم الذين على درجة أكاديمية "Assistant" ، لا شك بأن هناك منهم من هو ممتاز لكن في الغالب هؤلاء يفتقرون للخبرة البحثية، كما أنهم على عقد وظيفي مؤقت ومشروط بعدد معين من الكتب والأبحاث وغيرها، لذا جرت العادة أن مثل هؤلاء يقومون بإرهاق الطلبة بالكثير من الطلبات سواء بسبب قلة خبرتهم أو حاجتهم إستثمار جهود الطلبة بإسراف لأجل إتمام شروط الترقية. ومن المهم لفت الإنتباه الى أن العمل مع مثل هؤلاء يجل حياة الطالب الأكاديمية وخصوصا طلبة الدكتوراة معرضه للخطر وذلك بسبب عدم ضمان مستقبلهم الوظيفي، وليس من صالح الطالب أن يتم إقالة مشرفه وهو في منتصف البحث !! إلا أن هذا الأمر يختلف كليا عن أعضاء هيئة التدريس من درجة "Associate" فما فوق ، حيث أنهم وبكل تأكيد نجحوا في متطلبات الترقية الأكاديمية ولهم خبرة وهم وحدهم الذين يمتلكون عقود عمل دائمة "Tenures" مما يعطيهم الراحة النفسية نوعاً ما في العمل. وكما أن "Associate" هو الأكثر النشاطاً والذي قد يساعد الطالب في إتمام بحثة ودراسته بسرعة إلا أن الـ "Professor" أكثر خبرة وفهماً وأكثر نفوذاً في القسم العلمي.
2.      إهتمامات المشرف والنشر العلمي: من المهم الإطلاع على عنوان رسالة الدكتوراة للمشرف الأكاديمي وتخصص شهاداته من بكالريوس وماجستير ودكتوراة ، ومقارنة هذا الأمر مع طبيعة أبحاثة، هذا الأمر يعطيك إنطباع حول الخبرة التي يحظى بها هذا المشرف والإساس الذي تأسس عليه. بالإضافة الى ما سبق، من المهم معرفة عدد الأبحاث التي يقوم بنشرها سنوياً بحيث يكون إسمه هو الإسم الأخير في البحث "Last Author" والذي يدل على أنه كان هو صاحب الفكرة والمشرف على هذا البحث. وأن كلما زاد العدد كان هذا مؤشراً على نشاطة وذكاءة ومقدرته على البحث والإشراف، أما بخصوص العدد الذي يمكن على أساسه المقارنة والتحليل فإن عدد أبحاث زملائه في القسم أفضل مقياس.
3.      عدد الطلبة الذي يشرف عليهم: هذا الأمر في غالية الأهمية والذي يغفل عنه الكثير من الناس وأنا كنت واحد منهم، إن معرفة عدد الطلبة التي يقوم الدكتور بالإشراف عليهم يعطيك مؤشر قوي على مدى فعاليته، الدكتور الذي لدية طلبة كثيرين تم تخريجهم وطلبة حاليين تحت إشرافه يدل على قدرته المتميزة على الإشراف وخبرته في التعامل مع البحوث و الطلبة. يمكنك معرفة كل هذه المعلومات من خلال الصفحة الشخصية للدكتور أو من خلال مراسلته إلكترونياً.
من الممكن أن تختار مشرفك الأكاديمي أثناء التقديم على الجامعات من خلال مراستلته ومحاولة إثاراة إنتباهه، ومن الممكن أيضاً تأجيل الأمرالى البدأ في الدراسة أو حتى بعد سنة من الدراسة، المهم هو التريث كثيراً في هذا الأمر لما له من حساسية بالغة.
 
خاتمة ..
بالرغم من أن ملفي للتقديم على البعثات جيد جدا الى حدٍ ما سواء معدلي الجامعي أو حصولي على براءة إختراع محلية أو غيره ، إلا أنني واجهت عقبة كبير تمثلت في إختبارات اللغة الإنجليزية، لقد سقطت في 17 إمتحان إنجليزي سواء توفل أو ايلتز ، إلا أن مجموعة هذه التجارب الفاشلة كونت حجة قوية لدى الجامعة التي قُبلت فيها وهو أنني صاحب مواصلة وإصرار، بمعنى أن التجارب الفاشلة كونت تجربة ناجحة. قُبلت في جامعة تكساس أوستن أحد أفضل الجامعات على مستوى العالم وأتمت دراستي وحصلت على معدل إمتياز مع مرتبة الشرف في تخصص الهندسة الميكانيكية ، فلا يكون الفشل عائق لك، بل إجعل منه خطوة نحو النجاح.
حاولت الإختصار كثيرا واتمنى أن يكون مفيدا لكل من يرغب في إستكمال دراسته .. وبالتوفيق!
 
أخوكم طلال عيد العتيبي