لم أكن أسمع في حياتي عن قوانين نيوتن الثلاثة إلا في المجالات العلمية
البحته ، ولكن هذا الأمر تغير كلياً ! فعندما كنت طالب ماجستير في أمريكا، ذهبت ذات
مرة لمحاضرة حول نيوتن وقوانينه ، ذهبت وأنا لم أكن أتوقع الجديد ، لذا كانت خطاي قصيرة
وأنفاسي بطيئة وتعابير وجهي ممله ، وما أن تحدث ذلك الدكتور الأمريكي أبيض الرأس حتى
تغير كل شيء ...
صدمة .. وإمتعاض:
وبعد الصدمة .. إنتابني إمتعاض شديد فور خروجي من تلك المحاضرة ، ليس من الدكتور
وحديثه، إنما من طريقة تدريس قوانين نيوتن في نظامنا التعليمي في الخليج ، فنحن لم
نتعلم من هذه القوانين إلا تعاريف سطحية وبعض المعادلات نستخدمها في الحسابات الهندسية
فقط ! ولكن هذا الدكتور أحدث في إستيعابي لهذه القوانين فرقاً كبيراً، فقد إمتد حديثه
عنها الى جوانب فلسفية ممتعة تتحدث عن سلوك البشر!
القانون الأول لنيوتن:
بعيداً عن هذا التعريف (الجسم الساكن يبقى ساكن والجسم المتحرك يبقى متحرك
مالم تأثر عليه قوة خارجية تغير من حركته) ، تحدث الدكتور عن فكرة مستوى "الطاقة
الأدنى" والذي تفضل جميع الكائنات الحية والغير حية البقاء فيه ، فمثلاً أنت
تفضل أن تنام في أكثر وضعية مريحه والتي تمثل حالة "الطاقة الأدنى" لديك
، وكذلك حينما تسقط تفاحة الى الأرض فهي تسقط عمودياً لأن هذا المسار يمثل مسار "الطاقة
الأدنى" لها ، وتلك الشعوب أيضاً والتي تعيش في وفرة نفطية كبيره تنعدم معها
الدوافع من جوع وغيره تفضل البقاء في حالة خمول وهو ما يمثل مستوى الطاقة الأدنى
لديها، ولكن البقاء في هذه المستويات مشروط بإنحسار الدوافع والمؤثرات الخارجية أو
إنعدامها، ومن هنا بدأ نيوتن يفكر في هذه القانون !
القانون الثاني لنيوتن:
إنتقل نيوتن للتفكير في قانونه الثاني بعدما سأل نفسه ... وماذا لو كانت
هناك مؤثرات ودوافع خارجية تؤثر على الأجسام الدنيوية ؟ وبعد التفكير العميق والتجارب
المختبرية وجد نيوتن أن حركة أي جسم تتناسب طردياً مع حجم القوة المؤثرة عليه وتسير
في نفس إتجاهها ، فحركة الأجسام منوطة بشكل أساسي مع وجود القوى المؤثرة ، وأنه في
حال لا توجد دوافع أو مؤثرات خارجية فإمكانية وجود حركة يكون مستحيلاً لأن الأجسام
بطبيعتها تفضل البقاء في حالة طاقة أدنى وذلك ما إكتشفه نيوتن في قانونه الأول! ..
وما لبث بعدها نيوتن حتى بدأ بطرح السؤال الأهم !
القانون الثالث لنيوتن:
بعدما صاغ نيوتن القانونين السابقين ، سأل نفسه فقال: وما سلوك الأجسام
الدنيوية تجاه الدوافع والمؤثرات التي تحاول أن تُخرجها من حالة السكون المفضلة ؟
وكان ذلك حقاً هو السؤال الأهم ، وبالبحث والدراسة وجد نيوتن أن جميع الكائنات الحية
والغير حية تحاول دوماً العودة الى دائرة السكون وذلك بمقاومة القوى المؤثرة عليها
وهو ما لخصه بقولة (لكل فعل ردة فعل مساوية لها في المقدار ومعاكسة لها في الإتجاه)
، لذا فإن البشر بطبيعتهم يقاومون أي تغيير يطرأ على حياتهم وحجم مقاومتهم للتغير
منوط بحجم المؤثرات الخاجية.
فلسفة نيوتن .. ماذا نفعل بها:
لقد كان نيوتن فيلسوفاً قبل كل شي، وعبقريته تجلت في فهمه لسلوك الأجسام
الدنيوية سواء الكائنات الحية أو الجمادات، فسلوك البشر والمجتمع يتحرك بنفس هذه
القوانين والتي حاولت جاهداً تبسيط بعض فلسفتها للقارئ الغير مختص ، وأنا من هنا أدعوا
الى فهم سلوك المجتمعات الخليجية والتي تعيش في حالة "الطاقة الأدنى" لها
(دائرة الراحة) وإستيعاب ضرورة إيجاد دوافع ومؤثرات حقيقية من شأنها أن تدفع بإتجاه
حركة نهضوية شاملة.
أخوكم/ طلال عيد العتيبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق