إستكمالاً لما جاء في مقالي السابق "هل عقلك
ديناميكي؟" ، الذي إطلعنا فيه على أمر مهم للغاية. ألا وهو أن ميزان الإتزان
الكوني يقوم على كفتين: الأولى هي وجوب وجود القانون العام الذي ينظم كافة أفراد المجتمع
والثانية هي وجوب وجود تعددية الخيارات الفردية.
نستطيع الخروج من البيت والذهاب الى الدوام من عدة طرق وهو
خيار شخصي بحت يقوم على قناعاتنا (وهذا ما نعنيه بالخيارات الشخصية) ، لكن يجب أن
نسير ضمن الشوارع والجسور العامة إذا ما أردنا الوصول من البيت لمكان العمل (وهذا
ما نقصد بوجوب وجود النظام العام). إن القوانين الكونية لا تتحكم فينا بقدر ما
تقوم به من تظيم حياتنا بشكل متزن وغير مضطرب. إن المشكلة التي نواجهها تكون حينما
يتم بناء قانون سياسي أو إجتماعي أو إقتصادي بصورة تحرم الناس خياراتهم الشخصية وتفرض
قيوداً على حرياتهم.
إن وجود النظام العام من شأنه بعث الإتزان في المجتمع
على أن يحافظ على قدر من الحريات والخيارات الشخصية التي من شأنها إطلاق إبداعات
الناس وطاقاتهم. إن عدم وجود القوانين يبعث الإضطراب العام ، وفي المقابل عدم وجود
الحريات الشخصية يقتل في الناس الروح الإيجابية والكبت يجهز لثورة ستنفجر لا
محاله. لذا من المهم الموازنه بين الإثنين.
في مجتمعاتنا على وجه التحديد ، هناك إضطراب كبير في هذه
المعادلة الكونية . فإما أن تكون هذه القوانين مختله وتفتح باب الخيارات الفردية
بطريقة عشوائية خصوصا في النظام التعليمي. أو أن تكون القوانين تحكمية لا تنظيمية
وهو نراه في مصادرة الحريات الشخصية بقوانين إجتماعية أو دينية أو سياسية أسرفت في
التنظيم الداخلي بشكل تصادم فيه الغاية من بناء الكون ألا وهو الإتزان العام.
إن بعض العادات والتقاليد التي يقبع في قيودها المجتمع العربي
هي قوانين إجتماعية مضطربة تقيد الحريات ولا تنظمها. إن النظام السياسي الذي يحرم
المواطن العربي حقة في الإختيار ويتعامل معه بطريقة جبرية هو قانون سياسي مضطرب لا
يتفق مع النواميس الكونية. إن المذهب الديني الذي يبني قوانين دينية من شأنها أن تحمي
الظالم وتصادر حق الأفراد في التعبير بسلمية عن رفضهم الحاكم الفلاني هو مذهب باطل
ومرفوض كونياً، إن المذهب الفكري الذي لا يستند الى منهج منظم في الإستنباط والبحث
ويترك لأتباعه حرية الإختيار المطلقة هو مذهب فكري فوضوي لا يبني حضارة. عزيزي
القارئ كل هذه قوانين السابق ذكرها باطله عقلياً ولا تستند الى أي منطق ، وعمرها
الإفتراضي قصير.
إن مسؤولية الجماعات الفكرية ومؤسسات المجتمع المدني
والتيارات السياسية ، هو وجوب إعادة النظر في أساس تكوين مجتمعاتها إجتماعيا وسياسيا
ودينيا ، ورفض كل قانون يحرم الأخرين حرياتهم ، وإعادة بناء نظاما عاما متزنا في
شتى المجالات يمارس من خلاله الأفراد متسعاً من الحرية المنظمة.
طلال عيد العتيبي